"لا يحل دم امرء مسلم" دل أن هذه الخصال لا تكون إلا مع الإسلام ويحتمل أنه أراد بقوله: خرج من الإسلام أي خرج عن جملة أهل الإسلام إلى الخروج عليهم بسيفه فيكون ذلك موافقا للرواية الأولى وإنما تركنا ما فيه من تخيير الإمام في عقوبات المحارب لقول ابن عباس إذا خرج الرجل محاربا فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف وإن هو قتل ولم يأخذ المال قتل وإن هو أخاف السبيل ولم يأخذ المال نفى وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد فأما أبو حنيفة يقول: إذا أخذ المال وقتل كان الإمام بالخيار إن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله وإن شاء قتله فقط وحكى التخيير عن جماعة من السلف وهو مذهب مالك وفيه نظر لأنه يستعمل التخيير ما لم يقتل أو يطل مكثه في المحاربة فإذا كان كذلك كان حكمه أن يقتله فقد عاد قوله بذلك إلى قول من يجعل الآية على المراتب لا على التخيير وإنما لم يجز أن يقتل بالمحاربة إذا لم يوجد منهم قتل لما روي عن عثمان قال وهو محصور في الدار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد احصانه أو قتل نفسا بغير نفس، فوالله ما زينب في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت بديني بدلا منذ هداني الله عز وجل ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني"؟ فثبت بهذا أنه لا يحل دم من خرج من المسلمين بخروجه حتى يكون في ذلك القتل وعن أنس في قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قال: هم قوم من عكل قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم.
وروى عنه أيضا قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حي من أحياء العرب فأسلموا وبايعوه فوقع الموم وهو البرسام فقالوا: يا رسول الله هذا الوجع قد وقع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فكنا فيها قال: "نعم أخرجوا فكونوا فيها" فخرجوا فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل قال: وجاء الآخر وقد جرح فقال: