ومن حفظ من أسلم وكان رجوعهم إلى دار أعرابيتهم حراما ويكونون مرتدين عن الهجرة إلى الأعرابية ملعونين.
عن ابن مسعود آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده إذا علموا به والواشمه والمستوشمة للحسن والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنه حديث الأعرابي المستقيل بيعته مرارا حتى خرج من غير إذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما المدينة كالكبر تنفي خبثها وينصع طيبها".
ثم أعلم أن خروج من اسلم من دار الهجرة إلى الدار الأعرابية إنما يصير مذموما إذا ارتد ارتدادا يخرج به من الهجرة التي توجب عليه الطاعة إلى الأعرابية التي لا طاعة معها وأسلم لم يكونوا كذلك على ما روي جابر مرفوعا:"إبدوا يا اسلم" فقالوا: يا رسول الله إنا نخاف أن نرتد عن هجرتنا فقال: "ابدوا فأنتم مهاجرون حيث كنتم" وفي رواية: "ابدوا انتسموا الرياح واسكنوا الشعاب" فدل أن التبدي١ المذموم هو التبدي الذي لا يجيب أهله إذا دعوا فأما التبدي الذي هو بخلاف ذلك فهو كالمقام بالحضرة ألا ترى أن الأعراب ذموا في قوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} ومدحوا في قوله: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فالمذمومون هم الذين يغيبون حتى لا يعلموا الأحكام من الحلال والحرام والمحمودون من كان على خلاف ذلك كالأسلميين.
وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت بقرية تأكل القرى بالهجرة إلى قرية يغلب أهلها القرى لأن الأكل فيه معنى القدرة على الشيء والغلبة عليه كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ليس بمعنى الأكل بالفم وكذا قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} .
١ هكذا في المشكل ٢/٣٠١ ووقع في الأصل "الثوى" في المواضع كلها- ح.