ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما حدثه به تميم الداري أن قوما من بني عم له ركبوا سفينة في البحر فانتهت بهم سفينتهم إلى جزيرة لا يعرفونها فخرجوا ينظرون فإذا هم بإنسان لا يدرون ذكر هو أو أنثى من كثرة الشعر فقالوا: من أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: فحدثينا قال: أئتوا الدير فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تحدثوه فدخلوا الدير فإذا هم برجل موثق بالحديد يتأوه شديدا فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: من أهل فلسطين من جزيرة العرب قال: فخرج نبيهم بعد؟ فقالوا: نعم قال: فما صنع؟ قالوا: اتبعه قوم وفارقه قوم فقاتل بمن تبعه من فارقه حتى أعطوه أهل الحجر قال: فما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: هي مملوءة تدفق قال: فما فعلت عين الزغر؟ قالوا: تدفق حافتها قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: قد أطعم قال: لو أفلت من وثاقي لوطئت البلدان كلها إلا طيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلى هذا انتهى فرح نبيكم" ثم قال: "هي طيبة هي طيبة المدينة ما فيها طريق ولا موضع عرق ضيق ولا واسع ولا ضعيف إلا عليه ملك شاهر سيفه لو أراد أن يدخله ضرب وجهه بالسيف". وعن محرر بن أبي هريرة عن أبيه أنه حدثه بهذا وزاد فيه ثم قال: نحو الشام ما هو نحو العراق ما هو ثم أهوى بيده نحو المشرق عن زمره قال: فلقيت عبد الرحمن ابن أبي بكر فحدثته يقال: هل زاد فيه شيئا؟ قال: لا قال: صدق أشهد على عائشة أن عائشة حدثتني بهذا غير أنها زادت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومكة مثلها".
سرور النبي صلى الله عليه وسلم بما في هذا الحديث دليل على أنه تحقق الأمر عنده بطريقه ولولا ذلك ما قام في المسلمين خطيبا به فرحانا وابن صياد يومئذ بالمدينة وبقاء ابن مسعود وأبي ذر وجابر على ما كانوا عليه يحتمل أنهم لم يعلموا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيما حدثه به تميم الداري ولأجله كان يدفع عن نفسه ابن الصياد أن يكون دجالا.