لا يقال: أمر بإكرام الشعر واتخاذه فكيف تجوز المبالغة في قصه والعدول إلى ضده من احفاء الشعر لأن وائل ابن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال: "ذناب" فظننت أنه يعنيني فذهبت فجززته ثم أتيته صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عنيتك ولكن هذا أحسن"، وما جعله أحسن لا شك أنه صار إليه وترك ما كان عليه من قبل إذ هو أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس.
فإن قيل: كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقة أهل الكتاب وهم المحرفون المبدلون المشترون به ثمنا قليلا وقال صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم وإذا لم يقبل أخبارهم فكذلك أفعالهم"؟ قلنا: الأشياء التي كان يجب موافقتهم فيها هي التي لم يؤمر فيها بشيء مثل سدل شعره وتفريقه وكان واسعا له فعله وتركه فكان يحب موافقة أهل الكتاب لاحتمال أن يكون ذلك مما أمروا به في كتابهم وأما قوله: "لا تصدقوهم" إلى آخره إنما هو في شيء معين وهو إخبارهم بتكلم الجنازة فيحتمل صدقهم وكذبهم فالطريق في مثله عدم التصديق والتكذيب لاحتمال كل منهما.