للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تترك ورثتك أغنياء خَيْرٌ [لَكَ] من أن تتركهم عالة يتكففون الناس".

فإن اعترض جاهل فقال: جاء أبو بكر -رضي الله عنه- بكل ماله١. فالجواب: أن أبا بكر صاحب معاش وتجارة؛ فإذا أخرج الكل، أمكنه أن يستدين عليه فيتمعيش، فمن كان على هذه الصفة، لا أذم إخراجه لماله.

وإنما الذم متطرق إلى من يخرج ماله، وليس من أرباب المعايش، أو يكون من أولئك، إلا أنه ينقطع عن المعاش، فيبقى كلًا٢ على الناس، يستعطيهم، ويعتقد أنه على الفتوح٣، وقلبه متعلق بالخلق، وطمعه ناشب فيهم، ومتى حرك بابه، نهض قلبه، وقال: رزق قد جاء!!

وهذا أمر قبيح بمن يقدر على المعاش، وإن لم يقدر، كان إخراج ما يملك أقبح؛ لأنه يتعلق قلبه بما في أيدي الناس، وربما ذلك لبعضهم، أو تزين له بالزهد، وأقل أحواله أن يزاحم الفقراء والمكافيف٤ والزمنى٥ في الزكاة.

١٨٥- فعليك بالسرب الأول٦، فانظر: هل فيهم من فعل ما يفعله جهلة المتزهدين؟! وقد أشرت في أول هذا إلى أنهم كسبوا، وخلفوا الأموال، فرد إلى الشرب الأول٧ الذي لم يطرق، فإنه الصافي، واحذر من المشارع٨ المطروقة بالآراء الفاسدة، الخارجة في المعنى على الشريعة، مدعية٩ بلسان حالها أن الشرع ناقص يحتاج إلى ما يتم به!


١ رواه أبو داود "١٦٧٨"، والترمذي "٣٦٧٥"، والحاكم "١/ ٤١٤" عن عمر رضي الله عنه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وتمامه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
٢ الكل: العالة.
٣ الفتوح: الهبات الإلهية.
٤ المكافيف: العميان.
٥ الزمنى: المرضى الذين أقعدهم المرض ولا يرجى برؤهم.
٦ السرب: السلف الصالح. وقد جاء في الأصل هاهنا الشرب بالشين المعجمة، وقد تقدم أكثر من مرة بالسين المهملة.
٧ الشرب الأول: المنهل الأول وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
٨ المشارع: الأقنية، وهي هنا بنيات الطريق والسبل المتفرقة عن الصراط المستقيم.
٩ في الأصل: مذعته.

<<  <   >  >>