١٨٦- واعلم -وفقك الله تعالى- أن البدن كالمطية، ولا بد من علف المطية، والاهتمام به، فإذا أهملت ذلك، كان سببًا لوقوفك عن السير.
وقد رئي سلمان رضي الله عنه يحمل طعامًا على عاتقه، فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال: إن النفس إذا أحرزت قوتها، اطمأنت.
وقال سفيان الثوري: إذا حصلت قوت شهر، فتعبد.
١٨٧- وقد جاء أقوام ليس عندهم سوى الدعاوى، فقالوا: هذا شك في الرازق، والثقة بي أولى!! فإياك وإياهم.
١٨٨- وربما ورد مثل هذا عن بعض صدور الزهاد من السلف١، فلا يعول عليه، ولا يهولنك خلافهم، فقد قال أبو بكر المروذي: سمعت أحمد بن حنبل يرغب في النكاح، فقلت له: قال ابن أدهم.. فما تركني أتمم حتى صاح علي وقال: أذكر لك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتأتيني ببنيات الطريق؟!.
١٨٩- واعلم -وفقك الله- أنه لو رفض الأسباب شخص يدعي التزهد، وقال: لا آكل، ولا أشرب، ولا أقوم من الشمس في الحر، ولا استدفئ من البرد! كان عاصيًا بالإجماع، وكذلك لو قال -وله عائلة-: لا أكتسب، ورزقهم على الله تعالى! فأصابهم أذى، كان آثمًا، كما قال عليه الصلاة والسلام:"كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت".
١٩٠- واعلم أن الاهتمام بالكسب، يجمع الهم، ويفرغ القلب، ويقطع الطمع في الخلق، فإن الطبع له حق يتقاضاه، وقد بين الشرع ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا".
١٩١- ومثال الطبع مع المريد السالك كمثل كلب لا يعرف الطارق، فكل من رآه يمشي، نبح عليه، فإن ألقى إليه كسرة، سكت عنه؛ فالمراد من الاهتمام بذلك جمع الهم لا غير، فافهم هذه الأصول، فإن فهمها مهم.
١ الأكابر من العباد والزهاد كمالك بن دينار، وفرقد السبخي.