للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اجتمعت له من المآكل الردية أخلاط١ مجة٢، فبقي اليوم واليومين والثلاثة لا يأكل، وهو يظن ذلك من أمداد اللطف، وإذا به من سوء الهضم!

وفيهم من ترقى به الخلط إلى رؤية الأشباح، فيظنها الملائكة!!

٢٥١- فاللهَ اللهَ في العلم! واللهَ اللهَ في العقل! فإن نور العقل لا ينبغي أن يتعرض لإطفائه، والعلم لا يجوز الميل إلى تنقيصه، فإذا حفظا، حفظا وظائف الزمان، ودفعا ما يؤذي، وجلبا ما يصلح، وصارت القوانين مستقيمة في المطعم والمشرب والمخالطة.

٢٥٢- فقالت لي النفس: فوظف لي وظيفة، واحسبني مريضًا قد كتبت له شربة. فقلت لها: قد دللتك على العلم، وهو طبيب ملازم، يصف كل لحظة لكل داء يعرض دواء يلائم.

٢٥٣- وفي الجملة: ينبغي لك ملازمة تقوى الله عز وجل في المنطق والنظر وجميع الجوارح، وتحقق الحلال في المطعم، وإيداع كل لحظة ما يصلح لها من الخير، ومناهبة الزمان٣ في الأفضل، ومجانبة ما يؤدي إلى ما يؤدي من نقص ربح، أو وقوع خسران! ولا تعملي عملًا إلا بعد تقديم النية.

وتأهبي لمزعج الموت، فكان قد٤، وما عندك من مجيئة في أي وقت يكون! الصواب، لا على مقتضى الهوى، فإن إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين!

ودعي الرعونة التي يدل عليها الجهل لا العلم، من قول النفس: فلان يأكل الخل والبقل! وفلان لا ينام الليل!

فاحملي ما تطيقين وما قد علمت قوة البدن عليه، فإن البهيمة إذا أقبلت إلى نهر أو ساقية، فضربت لتقفز، لم تفعل حى تزن نفسها، فإن علمت فيها قوة


١ قال الأطباء الأقدمون: إن الجسم مركب من أربعة أخلاط بها قوامه، ومنها صلاحه وفساده وهي: الصفراء والدم والبلغم والسوداء.
٢ المجة: التي ترفضها النفس ولا تقبلها عادة.
٣ مناهبة الزمان: اغتنام الوقت.
٤ فكأن قد: كأن قد جاء الموت.

<<  <   >  >>