للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النصارى حين رأوا إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام، فتأملوا الفعل الخارق للعادة، الذي لا يصلح للبشر، فنسبوا الفاعل إلى الإلهية. ولو تأملوا ذاته١، لعلموا أنها مركبة على النقائص والحاجات، وهذا القدر يكفي في عدم صلاح إلهيته، فيتعلم حينئذ أن ما جرى على يديه فعل غيره.

٣٦٠- وقد يؤثر ذلك في الفروع، مثل ما روي أنه فرض على النصارى صوم شهر، فزادوا عشرين يومًا، ثم جعلوه في فصل من السنة بآرائهم، ومن هذا الجنس تخبيط اليهود في الأصول والفروع.

٣٦١- وقد قارب الضلال في أمتنا هذه المسالك، وإن كان عمومهم قد حفظ من الشرك والشك والخلاف الظاهر الشنيع؛ لأنهم أعقل الأمم وأفهمها، غير أن الشيطان قارب بهم، ولم يطمع في إغراقهم، وإن كان قد أغرق بعضهم في بحار الضلال.

٣٦٢- فمن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بكتاب عزيز من الله عز وجل، قيل في صفته: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ، وبين ما عساه يشكل٢ مما يحتاج إلى بيانه بسنته، كما قيل له: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] ، فقال بعد البيان: "تركتكم على بيضاءَ نَقِيَّةٍ"٣. فجاء أقوام فلم يقنعوا بتبيينه، ولم يرضوا بطريقة أصحابه، فبحثوا، ثم انقسموا: فمنهم من تعرض لما تعب الشرع٤ في إثباته في القلوب فمحاه منها، فإن القرآن والحديث يثبتان الإله -عز وجل- بأوصاف تقرر وجوده في النفوس، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] ، وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] ، وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله إلى السماء الدنيا"، " ويبسط يده لمسيء الليل والنهار"٥، و "يضحك"، و "يغضب"٦، وكل هذه الأشياء -وإن كان ظاهرها يوجب تخايل


١ ذاته: ذات عيسى عليه السلام.
٢ يشكل: يلتبس معناه ويستعصي فهمه.
٣ رواه أبو داود "٤٦٠٧"، والترمذي "٢٦٧٦"، وابن ماجه "٤٣و٤٤" عن العرباض بن سارية رضي الله عنه.
٤ أي: بالغ.
٥ رواه مسلم "٢٧٥٩" عن أبي موسى رضي الله عنه.
٦ الآيات التي تدل على غضب الله والعياذ بالله كثيرة. انظر: سورة النساء الآية "٩٣".

<<  <   >  >>