التشبيه- فالمراد منها إثبات موجود، فلما علم الشرع ما يطرق القلوب من التوهمات عند سماعها، قطع ذلك بقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] .
٣٦٣- ثم إن هؤلاء القوم عادوا إلى القرآن الذي هو المعجز الأكبر، وقد قصد الشرع تقرير وجوده، فقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}[القدر: ١] ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}[الشعراء:١٩٣] ، {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}[القلم: ٤٤] ، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ}[الأنعام: ٩٢] ، وأثبته في القلوب بقوله تعالى:{فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت: ٤٩] ، وفي المصاحف بقوله تعالى:{فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج: ٢٢] ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو". فقال قوم من هؤلاء: مخلوق! فأسقطوا حرمته من النفوس، وقالوا: لم ينزل! ولا يتصور نزوله! وكيف تنفصل الصفة عن الموصوف؟! وليس في المصحف إلا حبر وورق! فعادوا على ما تعب الشارع في إثباته بالمحو.
٣٦٤- كما قالوا: إن الله -عز وجل- ليس في السماء! ولا يقال: استوى على العرش! ولا ينزل إلى السماء الدنيا! بل ذاك رحمته!! فمحوا من القلوب ما أريد إثباته فيها، وليس هذا مراد الشارع.
٣٦٥- وجاء آخرون، فلم يقفوا على ما حده الشرع، بل عملوا فيه بآرائهم، فقالو: الله على العرش، ولم يقنعوا بقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤] .
ودفن لهم أقوام من سلفهم دفائن، ووضعت لهم الملاحدة أحاديث، فلم يعلموا ما يجوز عليه مما لا يجوز، فأثبتوا بها صفات جمهور الصحيح منها آت على توسع العرب، فأخذوه هم على الظاهر، فكانوا في ضرب المثل كجحا١، فإن أمه قالت له: احفظ الباب! فقلعه ومشى به، فأخذ ما في الدار، فلامته أمه، فقال: إنما قلت: احفظ الباب، وما قلت: احفظ الدار!!
٣٦٦- ولما تحايلوا صورة عظيمة على العرش، أخذوا يتأولون ما ينافي
١ جحا الكوفي الفزاري، أبو الغصن صاحب النوادر، يضرب به المثل في الحمق والغفلة، قال صاحب القاموس: اسمه دجين بن ثابت، توفي سنة "١٣٠هـ" تقريبًا.