للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتنحلُّ١ من ذلك.

٤١٩ [إلى] ٢ أن قلت للنفس: اعلمي أن هؤلاء على ضربين:

منهم من يجاهد نفسه في الصبر على هذه الأحوال، فتفوته فضائل المخالطة لأهل العلم، والعمل، وطلب الولد، ونفع الخلق، وانتفاع نفسه بمجالسة أهل الفهم، فيحدث له من نفسه حالة تشابه فيها الوحش، فتؤثر الانفراد لنفس الانفراد، وربما: يبس الطبع، وساء الخلق، وربما: حدث من حبس مائه المحتقن سُمِّيَّةٌ أفسدت بدنه وعقله، وربما: أورثته الخلوة وسوسةً، وربما: ظن أنه من الأولياء، واستغنى بما يعرفه، وربما: خيل له الشيطان أشياء من الخيالات، وهو يعدها كرامات!! وربما: ظن أن الذي هو فيه الغاية، ولا يدري أنه إلى الكراهة أقرب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يبيت الرجل وحده"٣، وهؤلاء كل منهم يبيت وحده!.

و"نَهَى عَنِ التَّبَتُّل"٤، وهذا تبتل!، و "نهى عن الرهبانية"٥.

وهذا من خفي خدع إبليس التي يوقع بها في ورطات الضلال بألطف وجهٍ وأخفاه.

والضرب الثاني: مشايخ قد فنوا، فانقطعوا ضرورة، إذ ليس لأحدهم مأوى، فهم في مقام الزمنى٦.

وإن كان الضرب الأول قد قطعوا حبل نفوسهم في العلم والعمل والكسب، وتعلقت هممهم بفتوح يطرق عليهم الباب، فرضوا بالعمى بعد البصر، وبالزمن٧ بعد الإطلاق.

٤٢٠- فقالت لي النفس: لا أرضى هذا الذي تقوله، فإنك إنما تميل إلى إيثار


١ تنحل: يزول الإشكال وتخلص من الشبهة.
٢ زيادة ضرورية ليستقيم بها السياق.
٣ رواه أحمد "٢/ ٩١" عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال الهيثمي في المجمع "٨/ ١٠٧": رجاله رجال الصحيح.
٤ رواه البخاري "٥٠٧٣"، ومسلم "١٤٠٢" عن سعد رضي الله عنه.
٥ رواه أحمد "٦/ ٢٢٦"، وابن حيان "٩" عن عائشة رضي الله عنها والدارمي "٢/ ١٣٣" عن سعد رضي الله عنه.
٧ الزمن: مرض يدوم طويلًا يقعد بصاحبه.

<<  <   >  >>