٦٠٢- والكلام في هذه المسألة مرتب بذكر الحجج والشبه في كتب الأصول، فلا أطيل به ها هنا، بل أذكر لك جملة تكفي من أراد الله هداه: وهو أن الشرع قنع منا بالإيمان جملة، وبتعظيم الظواهر، ونهى عن الخوض فيما يثير غبار شبهة١، ولا تقوى على قطع طريقه أقدام الفهم.
وإذا كان قد نهى عن الخوض في القدر، فكيف يجوز الخوض في صفات المقدر؟!
وما ذاك إلا لأحد الأمرين اللذين ذكرتهما: إما لخوف إثارة شبهة تزلزل العقائد، أو؛ لأن قوى البشر تعجز عن إدراك الحقائق.
٦٠٣- فإذا كانت ظواهر القرآن تثبت وجود القرآن؛ فقال قائل: ليس ها هنا قرآن، فقد رد الظواهر التي تعب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إثباتها، وقرر وجودها في النفوس. وبماذا يحل ويحرم، ويبت ويقطع، وليس عندنا من الله تعالى تقدم بشيء؟! وهل للمخالف دليل إلا أن يقول: قال الله، فيعود، فيثبت ما نفى؟! فليس الصواب لمن وفق إلا الوقوف مع ظاهر الشرع. فإن اعترضه ذو شبهة، فقال: هذا صوتك، وهذا خطك، فأين القرآن؟! فليقل له: قد أجمعنا أنا وأنت على وجود شيء به نحتج جميعًا، وكما أنك تنكر عليَّ أن أثبت شيئًا لا يتحقق لي إثباته حسًّا، فأنا أنكر عليك كيف تنفي وجود شيء قد ثبت شرعًا؟!
٦٠٤- وأما قولهم: هل في المصحف إلا ورق وعفص وزاج؟! فهذا كقول القائل: هل الآدمي إلا لحم ودم؟! هيهات! إن معنى الآدمي هو الروح، فمن نظر إلى اللحم والدم، وقف مع الحس، فإن قال: فكذا أقول: إن المكتوب غير الكتابة. قلنا له: وهذا مما ننكره عليك؛ لأنه لا يثبت تحقيق هذا لك ولا لخصمك: فإن أردت بالكتابة الحبر وتخطيطه، فهذا ليس هو القرآن، وإن أردت المعنى القائم بذلك، فهذا ليس هو الكتابة.
٦٠٥- وهذه الأشياء لا يصلح الخوض فيها، فإن ما دونها لا يمكن تحقيقه