للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حق الزاعم أنه كلام الخلق حين قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر] .

٥٩٨- ولما عذب كل أمة بنوع عذاب تولاه بعض الملائكة، كصيحة جبريل عليه السلام بثمود، وإرسال الريح على عاد، والخسف بقارون، وقلب جبريل ديار قوم لوط عليه السلام، وإرسال الطير الأبابيل على من قصد تخريب الكعبة١، تولى هو بنفسه، عقاب المكذبين بالقرآن، فقال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} [القلم: ٤٤] ، {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١] وهذا؛ لأنه أصل هذه الشرائع، والمثبت لكل شريعة تقدمت؛ لأن جميع الملل ليس عندهم ما يدل على صحة ما كانوا فيه إلا كتابنا؛ لأن كتبهم غيرت وبدلت.

٥٩٩- وقد علم كل ذي عقل أن القائل: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: ٢٥] : إنما أشار إلى ما سمعه، ولا يختلف أولو الألباب وأهل الفهم للخطاب أن قوله: {وَإِنَّهُ} كناية عن القرآن، وقوله: {نَزَلَ بِهِ} : كناية أيضًا عنه، وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ} : إشارة إلى حاضر، وهذا أمر مستقيم، لم يختلف فيه أحد من القدماء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم.

٦٠٠- ثم دس الشيطان دسائس البدع، فقال قوم: هذا المشار إليه مخلوق! فثبت الإمام أحمد رحمه الله ثبوتًا لم يثبته غيره على دفع هذا القول، لئلا يتطرق إلى القرآن ما يمحو بعض تعظيمه في النفوس، ويخرجه عن الإضافة إلى الله عز وجل، ورأى أن ابتداع ما لم يقل فيه لا يجوز استعماله، فقال: كيف أقول ما لم يقل؟!

٦٠١- ثم لم يختلف الناس في غير ذلك إلى أن نشأ علي بن إسماعيل الأشعري، فقال مرة بقول المعتزلة، ثم عنَّ له٢، فادعى أن الكلام صفة قائمة بالنفس٣! فأوجبت دعواه هذه أن ما عندنا مخلوق، وزادت فخبطت العقائد، فما زال أهل البدع يجوبون في تيارها إلى اليوم.


١ هو، أبرهة الحبشي وجيشه.
٢ عَنَّ له: بدا له.
٣ الكلام النفسي مصدره كلام أرسطو تسرب إلى كتب المتكلمين، انظر: النقد الأدبي الحديث للدكتور محمد غنيمي هلال.

<<  <   >  >>