للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧١٠- وبيان هذا:

أنك إن رأيت صاحب إمارة سلطنة، فتأملت نعمته؛ وجدتها مشوبة بالظلم: فإن لم يقصده هو؛ حصل من عماله. ثم هو خائف، منزعج في كل أموره، حذر من عدوان أن يسمه، قلق ممن هو فوقه أن يعزله، ومن نظيره أن يكيده. ثم أكثر زمانه يمضي في خدمة من يخافه من السلاطين، وفي حساب أموالهم، وتنفيذ أوامرهم، التي لا تخلو من أشياء منكرة. وإن عزل، أربى١ ذلك على جميع ما نال من لذة. ثم تلك اللذة تكون مغمورة بالحذر فيها ومنها وعليها.

٧١١- وإن رأيت صاحب تجارة، رأيته قد تقطع في البلاد، فلم ينل ما نال إلا بعد علو السن، وذهاب زمان اللذة، كما حكي أن رجلًا من الرؤساء كان حال شبيبته فقيرًا؛ فلما كبر، استغنى، وملك أموال، واشترى عبيدًا من الترك وغيرهم، وجوار من الروم، فقال هذه الأبيات في شرح حاله:

ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرين ... ملكته بعد أن جاوزت سبعينَا

تطوف بي من الأتراك أغزلة ... مثل الغصون على كثبان يبرينا٢

وخرد من بنات الروم رائعة ... يحكين بالحسن حور الجنة العينا٣

يغمزنني بأساريع منعمة ... تكاد تعقد من أطرافها لينَا٤

يردن إحياء ميت لاحراك به ... وكيف يحيين ميتًا صار مدفونَا

قالوا: أنينك طوال الليل يسهرنا ... فما الذي تشتكي؟ قلت: الثمانِيْنَا

٧١٢- وهذه الحالة هي الغالبة؛ فإن الإنسان لا يكاد يجتمع له كل ما يحبه إلا عند قرب رحيله، فإن بدر ما يحب في بداية شبابه، فالصبوة٥ مانعة من فهم التدبير أو حسن الالتذاذ.


١ أربى: زاد.
٢ أغزلة: جمع غزال، و "يبرين" قرية كثيرة النخل والعيون العذبة بحذاء الأحساء من بني سعد بالبحرين.
٣ الخرد: جمع خريدة: الفتاة البكر، و "يحكين" يشابهن، و "حور الجنة" نساؤها، و "العين" بكسر العين: واسعات أحداق العيون.
٤ الأساريع: دود بيض حمر الرؤوس، تشبه بها أصابع النساء.
٥ الصبوة: الصِّبا.

<<  <   >  >>