للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧١٣- والإنسان في حالة الصبوة لا يدري أين هو؛ إلا أن يبلغ: فإذا بلغ، كانت همته في المنكوح كيفما اتفق. وإن تزوج، جاء الأولاد، فمنعوه اللذة، وانكسر في نفسه، وافتقر إلى الكسب عليهم. فبينما هو قد دعك١ في تلك المديدة القريبة "من" الثلاثين وخطة الشيب٢، فانفرق من نفسه، لعلمه أن النساء يتفرقن منه، كما قال ابن المعتز بالله٣:

لقد أتعبت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الخرد الكعاب٤

فإذا فهم المتمتع بالمستحسنات، وخرج من طلب صورة النكاح؛ لم يجد مالًا يبلغ به المراد، فإن كسب ضاع زمن تمتعه، وإذا تم المطلوب، فالشيب أقبح قذى٥، وأعظم مبغض.

٧١٤- ثم إن صاحب المال خائف على ماله، محاسب لمعامليه، مذموم إن أسرف وإن قتر، ولده يرصد٦ موته، وجاريته قد لا ترضى بشخصه، وهو مشغول بحفظ حواشيه٧؛ فقد مضى زمانه في محن، واللذات فيها خلس٨ معتادة، لا لذة فيها. ثم في القياة يحشر الأمير والتاجر [خزايا] إلا من عصم الله، فإياك إياك أن تنظر إلى صورة نعيمهم؛ فإنك تستطيبه لبعده عنك، ولو نلته برد عندك٩، ثم في ضمنه من محن الدنيا والآخرة ما لا يوصف، فعليك بالقناعة مهما أمكن، ففيها سلامة الدنيا والدين.

وقد قيل لبعض الزهاد، وعنده خبز يابس: كيف تشتهي هذا؟ فقال: أتركه حتى أشتهيه.


١ دعك: تمرَّس.
٢ وخطه الشيب: انتشر الشيب في رأسه.
٣ عبد الله بن محمد المعتز بالله، أبو العباس "٢٤٧-٢٦٩هـ": الشاعر المبدع، خليفة ليوم وليلة، لقب بالمرتضى بالله.
٤ "الكعاب" جمع كاعب: وهي التي قاربت البلوغ فبرز نهداها.
٥ قذى: ما يؤذي العين.
٦ يرصد: يرتقب.
٧ حواشيه: أقاربه وأعوانه.
٨ خلس: منتهزة.
٩ في بعض النسخ المطبوعة: لو بلغته كرهته.

<<  <   >  >>