للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأفاقوا في أواخر العمر، والبدن قد نهك، وفاتت أمور مهمة من العلم وغيره.

٧٢٢- وإن أقوامًا انحرفوا إلى صورة العلم، فبالغوا في طلبه، فأفاقوا في أواخر قدم١، وقد فاتهم العمل به.

٧٢٣- فطريق المصطفى صلى الله عليه وسلم العلم والعمل، والتلطف بالبدن، كما أوصى عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال له: "إن لنسك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا".

فهذه هي الطريق الوسطى والقول الفصل، فأما اليبس٢ المجرد، فكم فوت من علم، لو حصل نيل به أكثر مما نيل بالعمل؛ فإن مثل العالم كرجل يعرف الطريق، والعابد جاهل بها، فيمشي العابد من الفجر إلى العصر، ويقوم العالم قبيل العصر، فيلتقيان، وقد سبق العالم فضل شوطه.

٧٢٤- فإن قال قائل: بين لي هذا؟! قلت: صورة التعبد خدمة لله تعالى، وذلك له، وربما لم يطلع العابد على معنى تلك الصورة؛ لأنه ربما ظن أنه أهل لوجود الكرامة على يده، وأنه مستحق تقبيل يده، أو أنه خير من كثير من الناس، وذلك كله لقلة العلم. وأعني بالعلم: فهم أصول العلم، لا كثرة الرواية، ومطالعة مسائل الخلاف.

فإذا طالع العالم الأصولي، سبق هذا العابد بحسن خلق، ومداراة الناس، وتواضعه في نفسه، وإرشاده الخلق إلى الله تعالى، فيعسر هذا على العابد، وهو في ليل جهله بالحال راقد.

٧٢٥- ربما تزوج العابد، ثم حمل نفسه على التجفف٣، فحبس زوجته عن مطلوبها، ولم يطلقها، وصار كالتي حبست الهرة، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض٤.


١ أواخر قدم: نهاية الطريق.
٢ البيس: التقلل من الطعام.
٣ التجفف: التحول لقلة الطعام.
٤ عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" رواه البخاري "٣٣١٨"، ومسلم "٢٢٤٢"، و"خشاش الأرض" حشرات الأرض وهوامها.

<<  <   >  >>