للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٢٦- ومن تأمل حالة الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى كاملًا من الخلق، يعطي كل ذي حق حقه: فتارة يمزح، وتارة يضحك، ويداعب الأطفال١، ويسمع الشعر٢، ويتكلم بالمعاريض٣، ويحسن معاشرة النساء، ويأكل ما قدر عليه، وأتيح٤ له، وإن كان لذيذًا كالعسل، ويتسعذب له الماء، ويفرش له في الظل، ولم ينكر ذلك، ولم يسمع عنه بمثل ما حدث بعده من جهال المتصوفة والمتزهدين من منع النفس شهواتها على الإطلاق، فقد كان يأكل البطيخ بالرطب٥، ويقبل ويمص اللسان٦، ويطلب المستحسنات.

فأما أكل خبز الشعير، وزن المأكول، وتجفيف البدن، وهجر كل مشتهى؛ فإنه تعذيب للنفس، وهدم للبدن، لا يقتضيه عقل، ولا يمدح شرع! وإنما اقتنع أقوام بالقليل لأسباب، مثل أن حدثت شبهة فتقللوا، أو اختلط طعام بطعام فتورعوا.

٧٢٧- ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يوفي العباد حقها بقيام الليل، والاجتهاد في الذكر، فعليك بطريقته، التي هي أكمل الطرق، وبشرعته التي لا شوب فيها، ودع حديث فلان وفلان من الزهاد، واحمل أمرهم على أحسن محمل، وأقم لهم الأعذار مهما قدرت؛ فإن لم تجد عذرًا، فهم محجوجون بفعله، إذ هو قدرة الخلق، وسيد العقلاء، وهل فسد الناس إلا بالانحراف عن الشريعة؟!

ولقد حدثت آفات من المتصوفة والمتزهدين، خرقوا بها شبكة الشريعة،


١ تقدم حديث: "يا أبا عمير ... " في الفصل "٤١".
٢ عن الشريد بن سويد الثقفي قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا. فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئًا"؟ قلت: نعم، قال: "هيه". فأنشدته بيتًا فقال: "هيه" ثم أنشدته بيتًا فقال: "هيه" حتى انشدته مائة بيت، رواه مسلم "٢٢٥٥".
٣ من ذلك: أنه لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ومعه أبوبكر لقيهما رجل فقال: ممن القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ماء".
٤ في الأصل: فتح.
٥ رواه أبو داود "٣٨٣٦"، والترمذي "١٨٤٣" عن عائشة رضي الله عنها.
٦ رواه أبو داود "٢٣٨٦" عن عائشة رضي الله عنها وفي سنده محمد بن دينار سيء الحفظ "ضعيف".

<<  <   >  >>