للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٣٧- ولقد حدثني بعض الصالحين المجاورين بجامع المنصور: أن رجلًا اسمه كثير دخل عليهم الجامع، فقال: إني عاهدت الله على أمر ونقضته، وقد جعلت عقوبتي لنفسي ألا آكل شيئًا أربعين يومًا! قال: فمكث منها عشرة أيام قريب الحال، يصلي في جماعة، ثم في العشر الثاني بأن ضعفه، وكان يداري الأمر، ثم صار في العشر الثالث يصلي قاعدًا، ثم استطرح١ في العشر الرابع، فلما تمت الأربعون، جيء بنقوع٢، فشربه، فسمعنا صوته في حلقة مثلما يقع الماء على المقلاة٣، ثم مات بعد أيام. فقلت: يا لله! العَجَب! انظروا ما فعل الجهل بأهله، ظاهر هذا أنه في النار؛ إلا أن يعفى عنه، ولو فهم العلم وسأل العلماء، لعرفوه أنه يجب عليه أن يأكل، وأن ما فعله بنفسه حرام، ولكن، من أعظم الجهل استبداد الإنسان بعلمه!

٧٣٨- وكل هذه الحوادث نشأت قليلًا قليلًا حتى تمكنت، فأما السرب الأول، فلم يكن فيه من هذا شيء، وما كانت الصحابة تفعل شيئًا من هذه الأشياء، وقد كانوا يؤثرون، ويأكلون دون الشبع، ويصبرون إذا لم يجدوا، فمن أراد الاقتداء؛ فعليه برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففي ذلك الشفاء والمطلوب.

٧٣٩- ولا ينبغي أن يخلد العاقل إلى تقليد معظم شاع اسمه، فيقول: قال أبو يزيد، وقال الثوري، فإن المقلد أعمى. وكم قد رأينا أعمى يأنف من حمل عصًا! فمن فهم هذا المشار إليه، طلب الأفضل والأعلى. والله الموفق.


١ استطرح: وقع على الأرض لا يقدر على الحركة.
٢ النقوع: ماء ينقع به زبيب أو تمر ويصنع منه شراب، وهو حرف ما زال مستعملًا عندنا في الشام.
٣ صوت المقلاة: يسمى النشيش.

<<  <   >  >>