للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البخيل يحمل على نفسه العجائب، ويمنعها اللذات، وتصير لذاته في جمع المال! وهذه جبلة١ في خلق كثير، وليس العجب أن تكون في الجهال.

٩٧٩- وينبغي أن يؤثر فيها عند العلماء المجاهدة للطبع ومخالفته، خصوصًا في الأفعال اللازمة في جمع المال، فأما أن يكون العالم جامعًا للمال من وجوه قبيحة، ومن شبهات قوية، وبحرص شديد، وبذل في الطلب، ثم يأخذ من الزكوات، ولا تحل له مع الغنى، ثم يدخره، ولا ينفع به: فهذه بهيمية تخرج عن صفات الآدمية، بل البهيمية أعذر؛ لأنها بالرياضة تتغير طباعها، وهؤلاء ما غيرتهم الرياضة، ولا أفادهم العلم!

٩٨٠- ولقد كان أبو الحسن البسطامي٢ مقيمًا في رباط البسطاميِّ٣ الذي على نهر عيسى، وكان لا يلبس إلا الصوف شتاءً وصيفًا، وكان يحترم ويقصد، فخلف مالًا يزيد على أربعة آلاف دينار!

٩٨١- ورأينا بعض أشياخنا، وقد بلغ الثمانين، وليس له أهل ولا ولد، وقد مرض، فألقى نفسه عند بعض أصدقائه، يتكلف له ذلك الرجل ما يشتهيه وما يشفيه، فمات، فخلف أموالًا عظيمةً!

٩٨٢- ورأينا صدقة بن الحسين٤ الناسخ، وكان على الدوام يذم الزمان وأهله، ويبالغ في الطب من الناس، ويتجفف، وهو في المسجد وحده، ليس له من يقوم بأمره، فمات، فخلف فيما قيل ثلاث مائة دينار.

٩٨٣- وكان يصحبنا أبو طالب بن المؤيد الصوفي٥، وكان يجمع المال، فسرق منه نحو مائة دينار، فتلهف عليها، وكان ذلك سبب هلاكه.

٩٨٤- ومن أحوال الناس أنك ترى أقوامًا جلسوا على صفة القوم، يطلبون


١ الجبلة: الخلقة والطبيعة.
٢ لم أقف على ترجمته.
٣ في بغداد.
٤ صدقة بن الحسين العلامة البغدادي الفرضي، توفي سنة "٥٧٣هـ".
٥ لم أجد ترجمته.

<<  <   >  >>