للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٦٢- فمن أراد الله به خيرًا، رزقه حسن القصد في طلب العلم، فهو يحصله لينتفع به وينفع، ولا يبالي بعمل، مما يدله عليه العلم، فتراه يتجافى أرباب الدنيا، ويحذر مخالطة العوام، ويقنع بالقليل، خوفًا من المخاطرة في الدنيا في تحصيل الكثير، ويؤثر العزلة، فليس مذكرًا للآخرة مثلها.

١١٦٣- وليس على العالم أضر من الدخول على السلاطين، فإنه يحسن للعالم الدنيا، ويهون عليه المنكر، وربما أراد أن ينكر فلا يصح له! فإن عدم القناعة، وغلبته نفسه في طلب فضول الدنيا، سلم عليه١؛ لأنه يتعرض بأربابها.

١١٦٤- وإن الإنسان ليمشي في السوق ساعة، فينسى بما يرى ما يعلم، فكيف إذا انضم إلى ذلك التردد إلى الأغنياء، والطمع في أموالهم؟!

فأما الوحدة، فإنها سبب رجوع القلب، وجمع الهم، والنظر في العواقب، والتهيؤ للرحيل، وتحصيل الزاد، فإذا انضمت إليها القناعة، جلبت الأحوال المستحسنة.

١١٦٥- ولا تحسن اليوم المجالسة إلا لكتاب يحدثك عن أسرار السلف، فأما مجالسة العلماء، فمخاطرة، إذ لا يجتمعون على ذكر الآخرة في الأغلب، ومجالسة العوام فتنة للدين؛ إلا أن يحترز في مجالسهم، ويمنعهم من القول، فيقول هو، ويكلفهم السماع، ثم يستوفز٢ للبعد عنهم.

١١٦٦- ولا يمكن الانقطاع الكلي إلا بقطع الطمع، ولا ينقطع الطمع إلا بالقناعة باليسير، أو يتجر بتجارة، أو أن يكون له عقار يستغله؛ فإنه متى احتاج تشتت الهم ومتى انقطع العالم عن الخلق، وقطع طمعه فيهم وتوفر على ذكر الآخرة؛ فذاك الذي ينفع وينتفع به، والله الموفق.


١ سقط اعتباره، وهو تعبير ما زال مستعملًا عند أهل الشام.
٢ أي: يحتفز ويستعد.

<<  <   >  >>