للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتحةً، فكذلك صاحب العيال، إذا ضاق به الأمر، لا يزال يحتال؛ فإذا لم يقدر على الحلال، ترخص في تناول الشبهات، فإن ضعف دينه، مد يده إلى الحرام.

فالمؤمن إذا علم ضعفه عن الكسب؛ اجتهد في التعفف عن النكاح، وتقليل النفقة إذا حصل الأولاد، والقناعة باليسير.

١٣٢٥- فأما من ليس له كسب -كالعلماء والمتزهدين-، فسلامتهم ظريفة، إذ قد انقطعت موارد السلاطين [عنهم] ومراعاة العوام [لهم] ؛ فإذا كثرت عائلتهم، لم يؤمن عليهم شر ما يجري على الجهال.

فمن قدر منهم على كسب بالنسخ وغيره، ليجتهد فيه، مع تقليل النفقة، والقناعة باليسير، فإنه من ترخص منهم اليوم، أكل الحرام؛ لأنه يأخذ من الظلمة، خصوصًا بحجة التنمس١ والتزهد.

ومن كان له منهم مال، فليجتهد في تنميته وحفظه، فما بقي من يؤثر، ولا من يفرض، وقد صار الجمهور -بل الكل- كأنهم يعبدون المال، فمن حفظه، حفظ دينه، ولا يلتفت إلى قول الجهلة الذين يأمرون بإخراج المال، فما هذا وقته.

١٣٢٦- واعلم أنه إذا لم يجتمع الهم، لم يحصل العلم، ولا العمل، ولا التشاغل بالفكر في عظمة الله. وقد كان هم القدماء يجتمع بأشياء، جمهورها أنه كان لهم من بيت المال نصيب في كل عام، وكان يصلهم، فيفضل عنهم. وفيهم من كان له مال يتجر به، كسعيد بن المسيب، وسفيان، وابن المبارك، وكان همه مجتمعًا، وقد قال سفيان في ماله: لولاك لتمندلوا بي! وفقدت بضاعة لابن المبارك؛ فبكى، وقال: هو قوام ديني! وكان جماعة يسكنون إلى عطاء الإخوان الذين لا يمنون.

وكان ابن المبارك يبعث إلى الفضيل وغيره. وكان الليث بن سعد يتفقد الأكابر، فبعث إلى مالك ألف دينار، وإلى ابن لهيعة ألف دينار، وأعطى منصور بن عمار ألف دينار وجاريةً بثلاث مائة دينارٍ.


١ التنمس: الاحتيال والمخادعة.

<<  <   >  >>