١٣٢٧- وما زال الزمان على هذا إلى أن آل الأمر إلى انمحاق ذلك؛ فقلت عطايا السلاطين، وقل من يؤثر من الإخوان؛ إلا أنه كان في ذلك القليل ما يدفع الزمان، فأما زماننا هذا، فقد انقبضت الأيدي كلها، حتى قل من يخرج الزكاة الواجبة!
فكيف يجتمع هم من يريد من العلماء والزهاد أن يعمل همه ليلًا ونهارًا في وجوه الكسب، وليس من شأنه [هذا] ، ولا يهتدي له؟!
فقد رأينا الأمر أحوج إلى التعرض للسلاطين، والترخص في أخذ ما لا يصلح، وأخرج المتزهدين إلى التصنع لتحصيل الدنيا.
فالله الله يا من يريد حفظ دينه! قد كررت عليك الوصية بالتقليل جهد: وخفف العلائق مهما أمكنك، واحتفظ بدرهم يكون معك؛ فإنه دينك! وافهم ما قد شرحته!
١٣٢٨- فإن ضجت النفس لمراداتها، فقل لها: إن كان عندك إيمان، فاصبري، وإن أردت التحصيل لما يفنى ببذل الدين، فما ينفعك، فتفكري في العلماء الذين جمعوا المال من غير وجهه، وفي المنمسين، ذهب دينهم، وزالت دنياهم! وتفكري في العلماء الصادقين، كأحمد وبشر، اندفعت الأيام، وبقي لهم حسن الذكر، وفي الجملة:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: ٢-٣] ... ورزق الله "قد يكون بتيسير" الصبر على البلاء، والأيام تندفع، وعاقبة الصبر الجميل جميلة.