للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنفسك، فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك، فتبالغ في الاعتذار والتوبة.

فأما التضجر والأذى لها، فما ينفع، كما قال الحسن بن الحجاج١: عقوبة من الله لكم، فلا تقابلوا عقوبته بالسيف، وقابلوها بالاستغفار.

واعلم أنك في مقام مبتلًى ولك أجر بالصبر، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] ! فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى، واسأله الفرج، فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.

ولا تضيع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظانًّا منك أنك تدفع ما قدر، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الانعام: ١٧] .

وقد روينا أن جنديًّا نزل يومًا في دار أبي يزيد، فجاء أبو يزيد، فرآه، فوقف وقال لبعض أصحابه: ادخل إلى المكان الفلاني، فاقلع الطين الطري؛ فإنه من وجه فيه شبهة. فقلعه، فخرج الجندي.

وأما أذاك للمرأة، فلا وجه له؛ لأنها مسلطة، فليكن شغلك بغير هذا، وقد روي عن بعض السلف أن رجلًا شتمه، فوضع خده على الأرض، وقال: اللهم! اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به علي.

١٣٣٠- قال الرجل: وهذه المرأة تحبني زائدًا في الحد، وتبالغ في خدمتي، غير أن البغض لها مركوز في طبعي.

قلت له: فعامل الله سبحانه بالصبر عليها؛ فإنك تثاب. وقد قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك؟ قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج، فآبى؛ فجائتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان! إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت أباها -وكان فقيرًا- فزوجني، وفرح بذلك، فلما دخلت إلي، رأيتها عوراء عرجاء مشوهة، وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظًا


١ أبو السري السلمي، الخراساني الواعظ البليغ الصالح. كان عديم النظير في الوعظ والتذكير، وفاته في حدود المائتين.

<<  <   >  >>