للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٤٩٠- ثم أيها العالم الفقير! أيسرك ملك سلطان من السلاطين، وأن ما تعلمه من العلم لا تعلمه؟ كلا، ما أظن بالمتيقظ أن يؤثر هذا!

١٤٩١- ثم أنت إذا وقع لك خاطر مستحسن أو معنى عجيب؛ تجد لذة لا يجدها ملتذ باللذات الحسية، فقد حرم من رزق الشهوات ما قد رزقت، وقد شاركتهم في قوام العيش، ولم يبق إلا الفضول، الذي إذا أخذ لم يكد يضر. ثم هم على المخاطرة في باب الآخرة غالبًا، وأنت على السلامة في الأغلب.

فتلمح يا أخي عواقب الأحوال! واقمع الكسل المثبط عن الفضائل؛ فإن كثيرًا من العلماء الذين ماتوا مفرطين يتقلبون في حسرات وأسف.

١٤٩٢- رأى رجل شيخنا ابن الزاغوني١ في المنام، فقال له الشيخ: أكثر ما عندكم الغفلة، وأكثر ما عندنا الندامة.

١٤٩٣- فاهرب وفقك الله قبل الحبس! وافسخ عقد الهوى على الغبن الفاحش! واعلم أن الفضائل لا تنهال بالهوينى٢، وأن يسير التفريط يشين وجه المحاسن!

فالبدار البدار، ونفس النفس يتردد، وملك الموت غائب ما قدم بعد، وانهض بعزيمة عازم:

إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبَا٣

ولم يستشر في أمره غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا

١٤٩٤- وارفض في هذه العزيمة الدنيا وأربابها، فبارك الله لأهل الدنيا في دنياهم، فنحن الأغنياء، وهم الفقراء، كما قال إبراهيم بن أدهم: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا٤ عليه بالسيوف.


١ أبو الحسن علي بن عبيد الله البغدادي "٤٥٥-٥٢٧هـ": الإمام العلامة شيخ الحنابلة. وقد تصحف بالأصل إلى "ابن الزغواني".
٢ الهوينى: الاتئداد والرفق.
٣ البيتان لسعد بن ناشب المازني. انظر: شرح الحماسة للتبريزي "١/ ٣٥".
٤ جالدونا: قاتلونا.

<<  <   >  >>