للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٤٩٥- فأبناء الدنيا، أحدهم لا يكاد يأكل لقمة إلا حرامًا أو شبهة، وهو وإن لم يؤثر ذلك، فوكيله يفعله، ولا يبالي هو بقلة دين وكيله، وإن عمروا دارًا، سحروا الفعلة١، وإن جمعوا مالًا، فمن وجوه لا تصلح، ثم كل منهم خائف أن يقتل أو يعزل أو يشتم، فعيشهم نغص.

١٤٩٦- ونحن نأكل ما ظاهر الشرع يشهد له بالإباحة، ولا نخاف من عدو، ولا ولايتنا تقبل العزل، والعز في الدنيا لنا لا لهم، وإقبال الخلق علينا، وتقبيل أيدينا وتعظيمنا عندهم كثير، وفي الآخرة بيننا وبينهم تفاوت إن شاء الله تعالى؛ فإن لفت أرباب الدنيا أعناقهم، يعلمون قدر مزيتنا، وإن غلت أيديهم عن إعطائنا؛ فلذة العفاف أطيب، ومرارة المنن لا تفي بالمأخوذ، وإنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس؛ وإنها أيام قلائل.

١٤٩٧- والعجب لمن شرفت نفسه حتى طلب العلم -إذ لا تطلبه إلا ذو نفس شريفة، كيف يذل لبذل من لا عزه إلا بالدنانير، ولا فخره إلا بالمكنه؟! ولقد أنشدني أبو يعلى العلوي٢:

رب قوم في خلائقهم ... عرر قد صيروا غررا

ستر المال القبيح لهم ... سترى إن زال ما سَتَرَا

أيقظنا الله من رقدة الغافلين، ورزقنا فكر المتيقظين، ووفقنا للعمل بمقتضى العلم والعقل، إنه قريب مجيب.


١ هم الذين يعملون بالمياومة في أعمال البناء والترميم ونحوها، وما زال هذا التعبير دارجًا عندنا في الشام وكانوا يسمون في عصر المؤلف الروزجارية. انظر الفصل "٣٧١".
٢ لم أجد له ترجمة، والعرر: العيوب.

<<  <   >  >>