للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكم عاميٍّ يقول: فلان قد ابتلي، وما يستحق! ومعناه: أنه قد فعل به ما لا يليق بالصواب، وقد قال بعض الخلعاء:

أيا رب تخلق أقمار ليل ... وأغصان بان، وكثبان رمل

وتنهى عبادك أن يعشقوا ... أيا حاكم العدل ذا حكم عدل

ومثل هذا ينشده جماعة من العلماء ويستحسنونه، وهو كفر محض!!

وما فهم هؤلاء القائلين لهذا [سر النهي ولا معناه] ؛ لأنه ما نهى عن العشق؛ وإنما نهى عن العمل بمقتضى العشق من الأشياء المحرمة، كالنظر، واللمس، والفعل القبيح.

١٥٨١- وفي الامتناع عن المشتهى دليل على الإيمان بوجود الناهي، كصبر العطشان في رمضان عن الماء، فإنه دليل على الإيمان بوجود من أمر بالصوم، وتسليم النفوس إلى القتل والجهاد دليل على اليقين بالجزاء.

ثم المستحسن أنموذج ما قد أعد، فأين العقل المتأمل؟! كلا، لو تأمل، وصبر قليلًا، لربح كثيرًا.

١٥٨٢- ولو ذهبت أذكر ما قد عرفت من اعتراض العلماء والعوام؛ لطال، ومن أحسن الناس حالًا في ذلك ما يحكى عن ابن الراوندي أنه جاع يومًا، واشتد جوعه، فجلس على الجسر وقد أمضه١ الجوع، فمرت خيل مزينة بالحرير والديباج، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لعلي بن بلتق غلام الخليفة. فمرت جوار مستحسنات، فقال: لمن هذه؟ فقالوا: لعلي بن بلتق، فمر به رجل، فرآه، وعليه أثر الضر، فرمى إليه رغيفين، فأخذهما، ورمى بهما، وقال: هذا لعلي بن بلتق، [وهذان لي] ؟! ونسي الجاهل الأحمق أنه بما يقول ويعترض ويفعل أهل٢ [لهذه] ٣ المجاعة.

١٥٨٣- فيا معترضين وهم في غاية النقص -على من لا عيب في فعله! أنتم


١ أمضّه: آلمه.
٢ في الأصل: قبل.
٣ في حاشية الأصل: بياض بالأصل.

<<  <   >  >>