للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم حتى صار من المجتهدين، وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين، فلم أر أكثر من ثلاثة١: أولهم: الحسن البصري، وثانيهم: سفيان الثوري، وثالثهم: أحمد بن حنبل، وقد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتابًا، وما أنكر على من ربعهم بسعيد بْنِ المُسَيَّبِ٢.

١٧٥- وإن كان في السلف سادات؛ إلا أن أكثرهم غلب عليه فن، فنقص من الآخرة، فمنهم من غلب عليه العلم، ومنهم من غلب عليه العمل، وكل هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم، والنصيب الأوفى من المعاملة والمعرفة.

١٧٦- ولا ييأس من وجود من يحذو حذوهم، وإن كان الفضل بالسبق لهم، فقد أطلع الله -عز وجل- الخضر على ما خفي على موسى عليه السلام٣، فخزائن الله مملوءة، وعطاؤه لا يقف على شخص.

١٧٧- ولقد حكي لي عن ابن عقيل٤: أنه كان يقول عن نفسه: أنا عملت في قارب ثم كسر وهذا غلط، فمن أين له؟! فكم من معجب بنفسه كشف له من غيره ما عاد يحقر نفسه على ذلك!! وكم من متأخر سبق متقدمًا!! وقد قيل:

إنَّ اللَّيالِيَ وَالأَيَّامَ حَامِلَةٌ ... وَلَيْسَ يَعْلَمُ غَيْرُ اللهِ مَا تَلِدُ


١ هؤلاء الأربعة نماذج اجتمع فيها ما تفرق في غيرها. فهي قدرة لكل الناس.
٢ أبو محمد القرشي المخزومي "١٣-٩٤هـ"، عالم أهل المدينة، وأحد فقهائها السبعة، وسيد التابعين في عصره، وأحفظ الناس لأقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزوج ابنة أبي هريرة، والسنة التي توفى فيها تسمى سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من الفقهاء.
٣ قصة موسى والخضر عليهما السلام مذكورة في سورة الكهف الآيات "٦٠-٨٢" وأخرجها البخاري "٣٤٠١-٧٤"، ومسلم "٢٣٨٠" عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد وقع في الأصل: خفي من موسى.
٤ أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي الظفري "٤٣١-٥١٣هـ": الإمام العلامة البحر، شيخ الحنابلة، كان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف، وكنز فصائل، له كتاب الفنون قال المؤلف: هذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو مائة وخمسين مجلدًا، وقال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان "٨/ ١٥١": واختصر جدي عشر مجلدات فرقها في تصانيفه.

<<  <   >  >>