للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكثرة أتباعه، حتى إن أحدهم لو اضطر أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل، لئلا ينكسر جاهه! ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى ألا يعودوا مريضًا، ولا يشهدوا جنازة، إلا أن يكون عظيم القدر عندهم.

ولا يتزاورون، بل ربما ضن١ بعضهم على بعض [بلقاءٍ] ، فقد صارت النواميس٢ كالأوثان، يعبدونها ولا يعلمون! وفيهم من يقدم على الفتوى بجهل، لئلا يخل بناموس التصدر! ثم يعيبون٣ العلماء لحرصهم على الدنيا، ولا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه لا تناول المباحات!

١٧١- ثم تأملت العلماء والمتعلمين، فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة؛ لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به، وجمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للكسب: إما ليأخذ قضاء مكان، أو ليصير قاضي بلد، أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه، ثم يكتفي.

١٧٢- ثم تأملت العلماء، فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى، ويستخدمه، فهو يؤثر ما يصده العلم عنه، ويقبل على ما ينهاه، ولا يكاد يجد ذوق معاملة الله سبحانه؛ وإنما همته أن يقول [وحسب] .

١٧٣- إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة، جامع بين العلم والعمل، عارف بحقوق الله تعالى، خائف منه، فذلك قطب الدنيا، ومتى مات، أخلف الله عوضه، وربما لم يمت حتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبة، ومثل هذا لا تخلو الأرض منه، فهو بمقام النبي في الأمة.

وهذا الذي أصفه يكون قائمًا بالأصول، حافظًا للحدود، وربما قل علمه، أو قلت معاملته، فأما الكاملون في جميع الأدوات، فينذر وجودهم، فيكون في الزمان البعيد منهم واحد.

١٧٤- ولقد سبرت٤ السلف كلهم، فأردت أن استخرج منهم من جمع بين


١ في الأصل: ظنَّ
٢ النواميس: العادات والأعراف.
٣ في الأصل: يعيبوا.
٤ سبرت الشيء: تأملته وفحصته لأعرف حقيقته.

<<  <   >  >>