ثمَّ ولِيَها جابِر بْن الأَشْعث الطائيّ من قِبَل محمد الأمين عَلَى صلاتها وخَراجها، ولِيَها يوم الإثنين لخمس بقينَ من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة واستخلف عَلَى الشُّرَط عبد الله بْن إبراهيم الطائيّ، واستخلف عَلَى الصلاة أَبَا شَريك يحيى بْن يزيد بْن صاد المُراديّ، ثمَّ قدِمها جَابِر، فأَقرّ عبد الله بْن إبراهيم عَلَى الشُّرَط، ثمَّ عزله فولَّى سُلَيْمَان بْن غالب بْن جِبريل، وكان جَابِر بْن الأشعث ليِّنًا مُحَبَّبًا إلى الناس من العامَّة والخاصَّة حتى تباعد ما بين محمد الأمين وبين أخيه المأمون، وخلع محمد أخاه من ولاية العهد وترك الدُّعاء لَهُ عَلَى المنابر، وعهِد محمد إلى ابن مُوسَى الَّذِي، يقال لَهُ: الشديد ودعا لَهُ، فتكلَّم الجُند بينهم فِي خلع محمد غضَبًا للمأمون، فأوَّل من تكلَّم فِيهِ منهم بِمصر: محمد بْن صعير، والسَّريّ بْن الحكَم بْن يوسف، ودنا إلى أهل خُراسان فِي خلع محمد والعقد للمأمون، فبايعهما عَلَى ذَلكَ نفَر يسير، ثمَّ تكلَّم بذلك من أهل مصر: زُرْعة بْن مُعاوية بْن قَحْزَم الخَوْلانيّ، وابنه الحارث، وهاشم بْن عبد الله بْن حُدَيج، وابنه هُبَيرة، فبعث إليهم جَابِر بْن الأشعث ينهاهم عَنْ ذَلكَ ويخوّفهم عواقب الفِتَن، وأقبل السَّريّ بْن الحكَم يدعوا الناس إلى خلع محمد.
فأخبرني ابن قُدَيد أن السَّريّ بْن الحكم كَانَ أوَّلُ دخوله إلى مِصر، أَنَّهُ كَانَ من جُند الليث بْن الفَضْل، دخلها فِي أيَّام الرشيد، قَالَ: وكان قليل الأمر، فارتفع ذِكره بقيامه فِي خلع محمد.
وكتب المأمون إلى أشراف أهل مِصر يدعُوهم إلى القيام بدَعْوته، فكلهم أجابوا سِرًّا، وأَتى كتاب هَرْثَمة بْن أَعْين إلى عبَّاد بْن محمد بْن حَيَّان مولى كِنْدة وكان وكيلًا لَهرْثَمة عَلَى ضِيَاعه بمصر، فأظهر عَبَّاد كتاب هَرْثَمة، وأحضر الجُند إلى المسجِد الجامع وقرأه عليهم ودعاهم إلى خلع محمد، فأجابه عظيم الناس إلى ذَلكَ، فأعطاهم عَبَّاد رِزقًا يسيرًا وبايعوا للمأمون، وكان خلع محمد بمصر لثمان بقينَ من جمادى الآخرة سنة ستّ