وتفرَّق كثير من أصحابه هارون عَنْهُ فِي البرّ والبحر وبقِي فِي نفَر يسير، وتشاغل باللهو والطرَب، فأجمع عمَّاه شَيبان، وعَدِيّ ابنا أحمد بْن طُولُون عَلَى قتله، فدخلا عَلَيْهِ وهو ثَمِل فِي شَرابه، فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقِيَت من صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين وسنّة يومئذٍ ثمانية وعشرون سنة، كانت وِلايته عليها ثمان سنين وثمانية أشهر.
شَيبان بْن أحمد
ثمَّ ولِيَها شَيْبان بْن أحمد بْن طُولُون أَبُو المقانب، بُويع لعشرٍ بقِينَ من صفر سنة اثنتين وتسعين، فأقرّ مُوسَى بْن طُونيق عَلَى الشُّرط، وقدِم شَيْبان الفُسطاط يوم الثلاثاء لسبع بقينَ من صفر، فسُلّم إِلَيْهِ أمرها كلّه، وبلغ طُغْج بْن جُفّ وفائق مَولى خُمارَوَيه وغيرهما من وجوه الجُند والقُوَّاد، قتل هارون، فأنكروه وخالفوا شَيْبانًا، فكاتبوا الْحُسَيْن بْن حمدان بن حَمْدون وهو إذ ذاك من وجوه أصحاب محمد بْن سُلَيْمَان، فأخبروه بمقتل هارون، وسأَلوه أخْذ الأَمان لهم، وحرَّكوه عَلَى المسير إلى الفُسطاط، وأقبل محمد بْن سُلَيْمَان حتى نزل جُرِجير، فوافاه بها كتاب طُغْج بْن جُفّ بالسمع والطاعة، ونزل محمد بْن سُلَيْمَان العبَّاسية، فلقِيَه بها طغْج فِي ناس من القُوَّاد كثير، فساروا لسيره إلى الفُسطاط، وأَقبل دَمْيانة بمراكبه إلى ساحل الفُسطاط، فنزل بِهِ سلخ صفر سنة اثنتين وتسعين، وعسكر شَيْبان يوم الأربعاء مستهلّ ربيع الأوّل بعين شمس، فأتاهم محمد بْن سُلَيْمَان، فمضى إِلَيْهِ عامَّة أصحاب شَيْبان يسئلونه أَمانهم، فلمَّا رأَى شَيْبان ذَلكَ أرسل إلى محمد بْن سُلَيْمَان فِي أَمانه وأَمان إِخوتَه وأهله، فآمنهم.
وخرج شَيْبان ليلة الخميس لليلة خلت من ربيع الأوَّل سنة اثنتين إلى محمد بْن سُلَيْمَان وانصرف عسكره كلّه، ثمَّ دخل محمد بْن سُلَيْمَان الفُسطاط، وكانت وِلايته عليها اثني عشر يومًا.
ثمَّ دخل محمد بْن سُلَيْمَان الكاتب يوم الخميس لمستهلّ ربيع الأوَّل سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فأمر بإحراق القطائع، فأُحرقت ونهب أصحابه الفُسطاط يومئذٍ، فركِب محمد بْن سُلَيْمَان، فطافها، وأطلق من فِي السجون، وسكَّن الناس ودعا من الغد عَلَى المِنبر لأمير المؤمنين المُكتفِي بالله وحده، وصرف مُوسَى بْن طُونيق عَن الفُسطاط