ثمَّ بعث أَبُو نَصر أيضًا بمراكبه عليها أحمد بْن السَّريّ، فأتاه عليّ بْن الجَرَويّ فِي مراكبه، فالتقوا بدَمَنْهُور، فيُقال: أن القَتْلى بينهما كانوا يومئذٍ سبعة آلاف، وانصرف أحمد بْن السّريّ إلى الفُسطاط، وتبِعه أَبُو ثَور اللَخْميّ فِي مراكب عليّ بْن الحَرَويّ إلى جِسر الفُسطاط.
وعزم عَلَى حرق الفُسطاط، فخرج إِلَيْهِ أهل مِصر وسأَلوه الكفّ، ومضى فرَج أَبُو حرْمَلة إلى عليّ بْن الجرَويّ فسأَله الصُّلح، فاصطلحا عَلَى أن يكفّ أحدهما عَن الآخر.
ثمَّ تُوُفّي أَبُو نصر ليلة الاثنين لثمان خلونَ من شعبان سنة ستّ ومائتين، وكانت وِلايته عليها أربعة عشر شهرًا.
عُبَيْد اللَّه بْن السَّريّ
ثمَّ ولِيَها عُبَيْد اللَّه بْن السَّريّ بايعه الجند يوم الثلاثاء لتسع خلونَ من شعبان سنة ستّ ومائتين وهو عَلَى صلاتها وخَراجها فجعل عَلَى شُرَطه محمد بْن عُتْبة بْن يَعْفُر المَعافريّ، وكفّ عُبَيْد اللَّه بْن عليّ بْن الجَرَويّ، فكفّ عليّ عَنْهُ حتى انسلخت سنة ستّ ومائتين، وعقد المأمون لخالد بْن يزيد بْن مَزْيَد الشَّيْبانيّ عَلَى صلاتها، وبعثه فِي جيش من رَبِيعة وأفناء الناس حتى دخل أرضها وراسل عبيدًا، فامتنع عُبَيْد من التسليم لَهُ، واحتجّ عُبَيْد أن كتاب أمير المؤمنين المأمون ورد عَلَيْهِ بوِلايته، وبعث عُبَيْد بأخيه أحمد بْن السَّريّ يمانع خَالِد بْن يزيد من المسير، فالتقوا بفاقُوس من حَوْف مِصر الشرقيّ، فاقتتلوا، ثمَّ تحاجزوا، وانضمّ عليّ بْن الجَرَويّ إلى خَالِد بْن يزيد، وأقام لَهُ الأَنزال ودلَّه عَلَى الطريق، وحفر عُبَيْد اللَّه خَنْدقًا، وفرض فُروضًا، وخالد مُجدّ فِي جِباية ما مرّ عَلَيْهِ من القُرى، ثمَّ سار خَالِد حتى نزل دَمَنْهُور عَلَى أميال من الفُسطاط، ثمَّ سار أيضًا إلى خَنْدَق عُبَيْد، فاقتتلوا لخمس خلونَ من ربيع الأوَّل سنة سبع ومائتين، اقتتلوا ثلاثة أيَّام، وأَسر خَالِد شَمَّاس بْن داود بْن الحَكَم، فقتله صبرًا، ثمّ صحبهم عُبَيْد اللَّه اليوم الرابع فكرَّ عليهم بنفسه، فانهزموا عَنْهُ.