للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسار مروان حتى نزل عين شمس، فخرج ابن جَحْدَم فِي أهل مِصر، فتحاربوا يومًا أو يومين، ثمَّ رجعوا إلى خَندَقهم فصُفُّوا عَلَيْهِ، فكانت تِلْكَ الأيَّام تُسمَّى أيَّام الخَنْدَق والتراويح لأن أهل مِصر كانوا يُقاتلون نُوَبًا يخرج هَؤُلّاءِ، ثمَّ يرجِعون ثمَّ يخرج غيرهم، واستحرّ القتل فِي المعَافر فقُتِل جمع منهم وقُتل كثير من أهل القبائل من أهل مصر، وقُتِل من أهل الشام أيضًا جمع كثير، قَالَ عبد الرحمن بْن الحَكَم:

أَلَا هَلْ أَتَاهَا عَلَى نَأْيِهَا … نِبَاءُ التَّرَاوِيحِ وَالْخَنْدَقِ

بَلَغْنَا بِفَيْلَق يَغْشَى الظِّرَابَ … بَعِيدَ السُّمُوّ لِمَنْ يَرْتَقي

وَجَاشَتْ لنا الأرضُ منْ نحْوِهِمْ … بِحَي تُجِيبَ وَمِنْ غَافِقِ

وأَحْيَاءِ مَذْحِجَ والأَشْعَريِنَ … وَحميَرَ كاللهب المحْرِقِ

وسَدَّت مَعَافِرُ أفْقَ البِلَادِ … بِمرْعِدِ جَيْشٍ لها مُبْرِقِ

وَنَادَى الكُفاةُ أَلا فَابْرِزُوا … فَحَتَّامَ حَتَّى وَلا نَلْتَقي

فَلَوْ كُنْتِ رَمْلَةُ شَاهَدْتِهِ … تَمنَّيْتِ أَنَّكِ لَمْ تُخْلَقي

ثمَّ إنَّ كُرَيب بْن أَبْرَهة، وعابِس بْن سَعِيد، وزِياد بْن حناطة، وعبد الرَّحْمَن بْن موهَب المعَافري قاموا فِي الصُّلْح بين أهل مِصر وبين مَرْوان عَلَى أن لا يكشفِ ابن جحْدَم عَلَى أمر جرى عَلَى يديه ويدفع إِلَيْهِ مالًا وكِسوةً، فأجاب مَروان إلى ذَلكَ، وكتب لهم بيده كتابًا يُؤمّنهم عَلَى جميع ما أَحدثوه، ودخلها مَروان لغرَّة جمادى الأولى سنة خمس وستّين، فكانت مُدَّة مُقام ابن جَحْدَم واليًا عليها من يوم دخلها إلى دخول مَرْوان تسعة أَشهر، ونزل مَروان دار الفُلْفُل التي فِي قِبلة مسجد الجامع اليوم، وقال: إنَّه لا ينبغي لخليفة أن يكون ببلَد لَيْسَ لَهُ فيها دار.

فأَمر بالدار البيضاء، فبُنيت لَهُ ووضع العطاء، فبايعه الناس إِلَّا نفَر من المَعافر، قَالُوا: لا نخلع بيعة ابن الزُّبير.

حَدَّثَنِي ابن قُدَيد، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن عثمان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو صالح، عَن الليث بْن

<<  <   >  >>