وإذ انتهيت إلى هذا المقام, فللنسخ شرائط أمهاتها ستة:
الأول: أن يكون شرعيا غير عقلي, فإن الموت لا ينسخ التكليف مثلا.
الثاني: أن يكون منفصلا غير متصل, ونحن نعلم أنه لما قال:{ثم أتموا الصيام إلى الليل} لم يكن نسخا. فلا خلاف فيه إذا كانت الغاية معلومة كما قدمنا. فإن كانت مجهولة كقوله تعالى:{حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} , فاختلف الناس فيه: هل هو نسخ او لا؟ والصحيح أنه نسخ, لأن معاني النسخ فيه موجودة وقد بيناه في الأصول.
الثالث: أن يكون المقتضى بالمنسوخ غير المقتضى بالناسخ حتى لا يكون منه البدل, ولذلك قال كثير من علمائنا: إن النسخ هو النص (الدال) على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل (في الاستقبال) على وجه لولاه لثبت. وقال "أبو المعالي": النسخ ظهور ما ينافي شرط استمرار الحكم, فقوله: افعل, طلب إلا أنه مشروط في المعنى بأن لا ينهى عنه. وحقيقة النسخ إنما تصادف (الظاهر) في اعتقادنا, فأما (عند الله) فالأمر أولا وآخرا على ما ظهر.
الرابع: أن يكون الجمع بين الدليلين غير ممكن.
الخامس: أن يكون الناسخ في العلم والعمل مثل المنسوخ, وذلك مما اختلف الأوائل فيه, وسنبينه (في موضعه) إن شاء الله تعالى.