وكأن هذه الآية مركبة على الآية التي قبلها لأن الله تعالى مدح قوما فقال {ومما رزقناهم ينفقون} فسألوا: ماذا ينفقون فقيل لهم: {العفو} وهو اليسير من أموالكم وما فضل منها، وصار هذا مجملا لا يتحصل به مقدار، أو عاما يجري فيه القليل والكثير وهو الأصح، ثم بين الله وجوه الانفاق من فرض وهي الزكاة فقدرها ورتبها ومن ندب وهي صدقة التطوع وليس فيها تقدير بل أقلها الظلف المحرق وليس لأكثرها قدر تحقق.
[الآية الثالثة والعشرون: قوله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم}.]
زعم قوم أنها ناسخة لقوله تعالى:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وذلك أن هذه الآية لما نزلت تحرج الناس أن يخالطوا اليتامى وشق عليهم عزل أموالهم عن أموالهم وعزل طعامهم عن طعامهم وإفرادهم بمعاشهم ورياشهم فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} يعني أن قصد الإصلاح لهم والرفق بهم خير من إبعادهم وإعتزالهم.
قال القاضي رحمه الله: وهذه جهالة عمن صحت عنه فليس بين الآيتين تعارض يوجب نسخا ولا هناك تاريخ يتحقق له وقتا وإنما المعنى فيه أن الله نهى عن ظلم اليتيم في ماله بأكله بغير حق وإضافته إلى مال الغير قصد التكثر به والاستئثار بمنفعته فيحتمل أنه لما سمع ذلك الناس أرادوا مباعدة الأيتام وثقل على كل واحد ما كان يفعله مع يتيمه من خلط الأمور معهم والمشاركة لهم، في مأكلهم مخافة التزيد منهم والأثرة عليهم وذلك وإن لم يكن يقصد في الحال مباشرة فربما كان التسبب بالخلط إليهم قصدًا في العادة فإن