يراعى فيها الأرفق بالخلق، فإن كان الأرفق في البر أخذ به وإن كان الأرفق في الحنث أخذ به.
ويمال إلى الحنيفية السمحة في كل حالة، ولا يؤخذ على الناس بالتغليظ ففيه التنفير عن الدين الوقوع في المحظور وذلك قوي جدًا في الأيمان التي أحدثها الناس، فقد قال مالك إمام الأئمة في قوله:{الحلال عليه حرام}، إنه إن حاشى زوجه بقلبه يلزمه حنث وليس يبقى تحت اليمين بعدها شيء، فإن سائر الأعيان الحلية غير الزوجة لا يحرم شي منها بهذه اليمين، فتبقي اليمين لغوا وتكون نيته في ثنيا الزوج بقلبه رفعا لليمين ونسخا لها، فصح أن الآية باقية على حالها في شريعتنا كما كانت في شريعة أيوب، ويعضد ذلك ما روى أبو داود، أن رجلا اشتكى حتى ضنى فوقع بجارية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة، فبين بقاء الحكم في هذه الشريعة في الحدود، والأيمان بذلك أولى.
[الآية الرابعة: قوله تعالى: {إن يوحي إلي إلا أنما أنا نذير مبين} وقد تقدم ذكر أمثالها فأغني ذلك عن إعادته.]
وفيها من الخصوص: آية واحدة، وهي قوله تعالى:{ولتعلمن نبأه بعد حين} يحتمل أن يكون يوم القتال، ويحتمل أن يريد به مجموعها وهو الصحيح على ما بيناه في اصول الفقه، فإن كان المراد به مجموعها فهو مخصوص في يوم القتال بالسيف منفي يوم الموت لا نسخ فيه ولا تخصيص في باب التكليف وإنما يقع النسخ في دار الدنيا: إما برفع التكليف وإما بتحقيق الوعد في التهديد كما في هذه الآية.