وتعظيمهم للصليب وسبهم إذا سمعوا نداء الصلاة، والذي عندي أن المراد به في الأصل يهود المدينة أخبر الله تعالى عنهم أنه لا يصل منهم إلى المؤمنين ضرر إلا ما يلحقهم من الإذاية بألسنتهم، يريد بالسب للدين ولهم كما قال تعالى:{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} فإذا جاء القتال ولوا الأدبار، وليس يمنع قتالهم سبهم لنا حتى يكن ذلك نسخا. والذي يوجب أن يكون المراد به يهود الحجاز قوله تعالى:{وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار} وخبر الله صدق لا محالة، والذين ولونا الأدبار اليهود بالحجاز، فأما غيرهم من الكفار فلم يوجد ذلك فيهم، فلا تحمل الآية إلا على ما يصح فيها ويوجب الصدق لها ويتوجه المعنى فيها.
[الاية الثامنة: قوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} زعم بعضهم أن هذه الآية ناسخة للقنوت في الركوع بحديث ابن عمر الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الآخرة فقال: اللهم العن فلانا وفلانا، ناسا من المنافقين، فأنزل الله تعالى:{ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم} الآية.]
قال القاضي ابن العربي رحمه الله:
هذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وجعله الشافعي سنة وخفف مالك الآمر فيه، وقد بينا أن القرآن ينسخ السنة وأن السنة تنسخ القرآن بما يغني عن إعادته ويغني من تحصن بالعلم من جهالته على ترتيب ذلك ودرجاته، وهذه الآية ناسخة من غير شك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في الصلاة من الدعاء بعد الركوع. ففي الصحيح، واللفظ لمسلم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة يكبر ويرفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياض بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على