للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل إنما يرجع قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا} إلى أخذ الرهن خاصة في السفر دون ما تقدم من مطلق القول في المداينة والكتابة والشهادة فيها والشهادة عند المبايعة ولا تدخل آية في آية.

قلنا بل يرجع قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا} إلى جميع ما تقدم في الإشهاد في الإية التي قبلها، وفي الكتابة وفي الإشهاد عند المبالغة مطلقا وإنما هذه الأوامر تحضيض وإرشاد ليس للوجوب فيها أثر، والدليل عليه كثير قد أوردناه في مسائل الخلاف ويختص منها بهذا الموضع ثلاثة أدلة:

الدليل الأول: حديث الإسرائيلي قال النبي صلى الله عليه وسلم إن رجلا فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل سأل رجلا أن يسلفه قال له ائتني بالشهود قال له: كفى بالله شهيدًا، قال فائتني بالكفيل، قال كفى بالله كفيلا، قال صدقت: فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليها للاجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل بها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ورجح موضعها ثم أتى إلى البحر بها فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلقت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقالت كفى بالله كفيلا فرضي بذلك وسألني شهيدًا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعتكها فرمي بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسفله ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسفله فأتاه بالألف الدينار فقال: والله مازلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي جئت به، قال إن الله قد أدى عنك الذي بعثت والخشبة فانصرف بالألف الدنيار راشدا، فهذا نص في إسقاط الإشهاد في شرع من قبلنا وهو شرع لنا.

<<  <   >  >>