تحصيل معنى هذه الآية يتبين في مأخذين من النظر: المأخذ الأول في معناها المطلق وهو أن الآية نزلت في المنافقين، وفي سبب نزولها قولان: أحدهما أن منافقا لم يرض بحكم النبي فقتله: عمر، فجاء أولياؤه طالبين لدمه، ثم حلفوا ما أردنا بالمطالبة بدمه إلا إحسانا إلينا وما يوافق الحق في أمرنا. القول الثاني:(أنهم لما طلبوا القود) من صاحبهم اعتذروا إلى رسول الله عليه السلام في المحاكمة إلى غيره، في قصة طويلة دخل في ذكر بعضها اليهود فقالوا ما أردنا في العدول عنك إلا توفيقا بين الخصوم وإحسانا في الحكم دون الحمل على مر الحق، فقال سبحانه لرسوله:{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم} يعني من النفاق. فلما جمع الله بين الإعراض عنهم والوعظ لهم وهما يتنافيان في الظاهر تكلم في ذلك علماؤنا على خمسة أقوال:
الأول: أن فيه تقديما وتأخيرا معناه، فعظهم وأعرض عنهم
الثاني: معناه أعرض عنهم بالعداوة لهم وعظهم.
الثالث: أعرض عن عقابهم إلى وعظهم.
الرابع: أعرض عن قبول الأعذار منهم وعظهم.
الخامس: أعرض عنهم بعدم المبالاة بعلمك بهم وعظهم بلسانك لهم. والتحقيق فيها أن الله تعالى أمره صلى الله عليه وسلم بدعاء المنافقين إلى الدين ووظائفه والإعراض عما يرى من ردهم وإبايتهم، حتى لا يكسله ذلك عن دعائهم ولا يزهده في ترغيبهم، وقوله تعالى: وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}، يعني وعيدهم بالقتل إن أظهروا ما يضمرون أو الزجر بأبلغ وجوهه.
المأخذ الثاني: أنكم إذا علمتم أن المراد بالآية المنافقون فإن الإعراض عنهم والصبر عليهم لم ينسخ قط بشيء إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز نسخ حكم من الشريعة بعد استئثار الله به، فلم يبق لتطرق النسخ إلى هذه الآية وجه، والحمد لله وحده.