هذا منتهي ما ورد للمفسرين في هذه الآية على الاختصار. وتحقيق القول في هذا الأصل أن الله تعالى غفور ذو انتقام شديد العقاب ذو الطول يعفو وينتقم ويرضى ويغضب، له الصفات العلى والأسماء الحسنى. فالخلق مترددون بين أحكام صفاته وجودًا وعدما رضي وغضبا، عطاء ومنعا، عذابا ونعيما، غني وفقرا، صحة وسقما، جاها وخمولا، خفاء وظهورا، إلى غير ذلك من أصناف الخلق التي ترجع إلى أحكام صفات الخالق، فالوعد والوعيد للرغب والرهب اللذين يتردد بينهما نظام التكليف، ولم يتفطن له إلا أهل الحق، فأما الوعيدية، فقالوا: إن الله لا يغفر ذنبا، وأما المرجئة فقالوا: إن الله تعالى لا يؤاخذ بذنب مع الإيمان. فأبطلت الأولى رسم التوحيد وأبطلت الثانية وجه التكليف وعلطت حكم صفتين عاليتين واسمين حسنين للباري سبحانه، وكأنها لم تقرأ قوله تعالى:{حم تنزل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} وكذلك لم تفهم شيئا من أحكام الإرادة العالية والمشيئة النافذة والحجة الدامغة والحكمة البالغة. وقد قصر كثير من العلماء في هذا الباب فقالوا:" إن الله تعالى لا يخلف الميعاد وينجز الوعيد ويعد " أشرف المنزلة عند العرب فقد قال شاعرهم.
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وهذا قصور عن معرفة الإله، فإن لكام الباري سبحانه صدق لا يتصور فيه خلف، كيفما ورد من وعد أو وعيد، وأشراف العرب إنما تمدحت بخلف الإيعاد وإنجاز الوعد لما في ذلك من شرف العفو وفضيلة الصفح الذي يغطي على قبح الخلف، وهذا لا يتصور في حق الإله الواجب الصدق. وإنما الآيات وردت مطلقة متشابهات، منها أمهات وبنات: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون