تنقيح: فأما ما نسب إلى ابن عباس، رضي الله عنه من أن هذه الآية تكاثف الوعيد فيها فدل ذلك على إحكامها، ففيه قولان أحدهما أن الوعيد لم يتكاثف بل نقص منه التأبيد وهو أكثره. الثاني أن الوعيد وغايته سواء في وجوب الصدق وجواز العفو. وما ينسب من الاحتجاج إلى علي بآيات المغفرة فهو العلم. وآية الفرقان حسن، ولا يضرها إن تأخرت عن آية النساء أو تقدمت عليها فإنها قاضية بقبول التوبة قطعا، وإن قبلت التوبة من الكفر فأحرى أن تقبل من ذنب دونه. أما إنه تبقى ها هنا نكتة: وهي أن الكافر القاتل للمسلم إذا آمن سقط عنه كل ذنب قطعا، والمسلم القاتل للمسلم إذا تاب سقط عنه حق الله قطعا وبقيت قبله حقوق الآدميين يقع القول فيها بين يدي الله في القيامة، وأول ما يتكلم فيه أمر الدماء. بيد أنه من الجائز أن يبقى حق المقتول عنده حتى يطرح عليه من ذنوبه ويعذب عليها، ومن الجائز أن يغفر الله كل ذنب ويرضى عنه غريمه، وعليه يدل حديث مسلم في قبض ملائكة الرحمة لنفس القاتل المائة رجلا، ويحتمل أن يكون قبضته ملائكة الرحمة لأجل الإيمان، ويبقى القول في حق القتل بينه وبين المقتولين، وقول ابن عباس وأنى له التوبة؟ أرد وأنى له بإسقاط التوبة لحق، المقتول: وأما من قال: أراد به مستحلا، فلا معنى له، لأن ذلك يكون كفرا والكفر لا يغفر، واما من قال إن معنى ذلك إن جازاه، فلقد طبق المفصل ولكنه تجاوز حتى ضرب في الأرض وفلل الحديد فإن هذا لا يحتاج إليه، فإن قول القائل جزاء فلان كذا، ليس فيه استيفاؤه وإنما يقتضي ذكر الجزاء مطلقا فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه. وأما من قال إنه لم يقرن بالتخليد التأييد فتخففت فلو قرن بها التأييد ما ثقلت مع آيات