الذي أعرف يقينا أن السدي قال: إن النبي عليه السلام كان مخيرًا بين أن يحكم بين أهل الكتاب إن تحاكموا إليه، وهذا قول ضعيف جدًا كما أن القول في الآية بأنها منسوخة ضعيف أيضا، وكيف يصح دعوى النسخ فيها ويمكن الجمع بينهما، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " إن حكموك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، والقسط هو الذي أنزل الله، وهو قوله بعينه:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله} فإن قيل: فإذا حكم بينهم بما أنزل الله، فكيف قضى بالرجم على اليهوديين وهما عندكم غير محصنين فإن المالكية لا ترى مع الكفر إحصانا؟ فهذا يدل على أنه حكم عليهم بدينهم ثم أمر بعد ذلك بأن يحكم بما أنزل الله أي بما يقتضيه شرعه. قلنا: هذا ظن باطل، لا يجوز أن يقال: إن النبي حكم بغير ما أوجبه شرعه: وذلك قول عظيم من ذاكره نبرأ إلى الله منه، فإنه لا يجوز لأحد أن يحكم إلا بدين الإسلام فكيف بالنبي الذي هو الإمارة نبوة وحكما؟ فإن قيل: فارجموا الكافرين إذا زنيا كما رجمهما قلنا قال محمد من علمائنا: إنما حكم النبي بينهم لأن الحدود لم تكن نزلت بعد، ولا يحكم الحاكم اليوم إلا بحكم الإسلام، وقال عيسى عن ابن القاسم حكم النبي صلى الله عليه عليهم بشريعة موسى النبي عليه السلام، إذ شريعة من قبلنا شرع لنا يلزم العمل بها حتى يقوم الدليل على تركها، وقد بينا ذلك في أصول الفقه وهو الصحيح.