وأما قوله: هل يدخل الجنة أم لا؟ فقد استبعده الحسن وقال: معاذ الله، وقد قربه غيره واحتج بما وقع في الصحيح في حديث عثمان بن مظعون إذ دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته فقال له قائل: هنيئا له بالجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، وفي رواية: ما يفعل به، وتجاري علماؤنا في ميدان القول فيه فأحال بعضهم ألا يعلم الرسول حسن الخاتمة يوم الرسالة وقال بعضهم: لا يعلمه إلا بتوقيف غير الرسالة. وأحالت المبتدعة ألا يعلم ذلك الرسول عقلا، وقد بينا أنه لا يدخل العقل في شيء من ذلك. فإن للباري تعالى أن يعذب الملائكة والأنبياء بحق ملكه، ولكنه شرف وعظم بفضله، علمنا ذلك بقوله وبخبره. وقال قال الحسن: معاذ الله أن يكون ذلك في الآخرة فقد علم انه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل فركب إشكال آية على أخرى أشكل منها.
فإن الله أخذ ميثاق النبيين في صلب آدم عليه السلام على احد القولين، وذلك لا يذكره أحد من خلق في التطوير إلا بذكرى مجددة من الله وخبر مبتدأ وعلى القول الثاني أخذه فيهم عند البعث بان يصدقوا محمدا ويبشروا به، فكان محمد آخرهم زمانا، وله عليهم ميثاقا فكل رسول مصدق بجميع الرسل، وكذلك كل أمة، وليس يمتنع على النبي حاله في الآخرة وحال من آمن به لعلمه به بجواز حكم الله بالعذاب لمن أطاعه حتى يبريه من موجب حكمته بمقتضي رحمته، والذي أراه من ذلك أن النبي إذا كوشف بالرسالة واصطفى بالوحي، كان ذلك قطعا له إلى العصمة وبيانا لكونه من أهل الجلالة والرحمة، ولا يصح له شك في العاقبة فإن كان هذا المراد فلا يقال إن آية الفتح نسخت، فإن هذا ليس بنسخ وإنما هو زيادة علم إلى علم وفضل إلى فضل، فإذا قال النبي: لا أدري كذا، ثم عرفه الله به