مقام أبي بكر مقام الرجاء وكان مقام النبي مقام الخوف، وقد اختلف الناس في تفصيل المقامين وتفضيلهما، ومقام رسول الله بلا شك أفضل، وقد بينا ذلك في كتاب المشكلين، وغيره. وأما الذي حكوا عنه يوم هوازن فباطل وإنما أخذ النبي عليه السلام كفا من حصى فرى به وقال: شاهت الوجوه، فانهزم القوم قال الله تعالى له:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} وفيه للعلماء أقوال كثيرة، بيانها في كتابي المشكلين والأصول، وذكر ما فيها من الأقوال وعمدتها قولان:
أحدهما: وما عممت برميتك المشركين كلهم إنما دفعت الحصباء من يدك فبلغها الله إلى جميعهم.
الثاني: أن الفعل وإن كان منسوبا إلى العبد فإنه مجاز وحقيقته لله سبحانه وهو خلق الرامي منا وحياته وعلمه بما يرمي ويرمي به وكيف يرمي وخلق له المرمي به وخلق الإرادة للرمي وخلق الحركة في اليد وخلق سير الرمي إلى المرمي به في الهواء وخلق الوصول إليه وخلق التأثر به. والعبد محل لذلك كله وموضع لجريان مخلوقات الله فيه، ولأجل هذه الحقيقة قالت طائفة بالجبر ولم تفهم حكمة الله ولا حكمه ولا قوله، وأن الباري يقول: شاء العبد، وهم يقولون، أجبر العبد وقد حققنا ذلك في موضعه وفي هذا كفاية فإن الله أخبر أن للعبد مشيئة وإنها تحت مشيئة الله فقلنا كما قال الله وحققنا تدبير مخلوقاته وترتيبها، والله الموفق.
وأما من قال: ليغفر لك الله الصغائر باجتناب الكبائر. فهذا قول المبتدعة من المعتزلة، وغيرهم يقولون إن الكبائر لا تغفر لأحد إلا باجتناب الصغائر. وإذا كان هذا حكم الخلق أجمعين فما فضل محمد على جميل النبيين؟