والذين هادوا والنصارى والصابئين} لهم أجرهم ولا خوف عليهم ولاحزن (ولكنه عقب ذكر ذلك بقوله){من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا} فرجع الجواب بثبوت الأجر ونفي الخوف والحزن إلى الإيمان والعمل الصالح، فإن قيل وأي فائدة في تكرار الإيمان وقد كان الآخر منه يكفي ذكره عن الأول ويرتفع التشابه؟ قلنا لو ورد القول كذلك لخرجت عنه فائدتان: الأولى من آمن بالله ممن لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا صابئا فأدرج معهم في الخطاب الأولوميز الحكم في الخطاب الثاني بحقيقته الجامعة للكل. الثانية أنه كان يخرج منهم أهل الفترة كقس بن ساعدةوزيد بن عمروابن نفيل والمحترق: أما, قس, رضي الله عنه ففهم التوحيد وعرف حدوث العالم وأنذر بالنبي صلى الله عليه وسلم فترحم عليه صلى الله عليه وسلم وقال:(إنه يبعث أمة وحده). وأما زيد بن عمرو بن نفيل فحديثه في الصحيح أنه: كان يطلب الحنيفية ويفر من اليهودية والنصرانية ويوحد وينتظر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المحترق فحديثه في الصحيح (أيضا) أن رجلا لم يعمل خيرا قط قال: إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروا في يوم رايح نصفي في البر ونصفي في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، وفي رواية: لعلي أضل الله. فلما أعاده الله خلقا سويا قال له: ما حملك على مافعلت؟ قال: مخافتك. فما تلافاه غيرها، فهذ رجل جهل صفات وعرف صفاتِ وكان ذلك في زمان الفترة، فعذره الله تعالى وغفر له ما جهل بما علم. بخلاف من يجهل الله اوشيئا من صفاته في زمان البيان والنبوة، فإنه لايغفر له إلا الذنوب العملية خاصة دون الاعتقادات السيئة