أحدهما ما كانت الجاهلية تفعله من إرادتها (الربا والتعدي بأخذ) الجماعة (عن) الواحد والحر عن العبد والشريف عن الدنيء فأوجب الله تعالى المثل عن المثل (ومنع) من الزيادة والتعدى.
والوجه الثاني ما كانت عليه شريعة بني إسرائيل من التعيين للقصاص في جزاء القاتل دون الفداء بشيء من مال. ثم من الله تعالى على هذه الأمة بالدية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفادي وإما أن يقتل". وعن ابن عباس رحمه الله: كان في بني إسرائيل القصاص ول تكن فيهم الدين فقال الله تعالى لهذه الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} يعني مما كتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) يعني بعد قبول الدية.
قال القاضي محمد بن العربي رحمه الله: وهذا نص من قول ابن عباس رضي الله عنه صحيح نقله: وشريعة محمد عليه السلام نسخت شريعة موسى صلوات الله على نبينا وعليه وعلى جميع النبيين. وقبول الدية في هذه الآية نسخت على الخصوص (انختام) القصاص على من سبق من الأمم فهذا نسخ صحيح بشرائطه المتقدمة وفيه خلاف كثير بين العلماء بيناه في قسم الأحكام الثالث، فلأجل هذا الإشكال جعلناها في قسم الخصوص، ورجح مالك وأصحابه العطاء لأن العفو إذا كان بمعنى الإسقاط وصل بكلمة (عن) كقوله تعالى: {واعف عنا}.
ورواية أشهب أظهر لوجهين: أحدهما الأثر والآخر النظر، أما الأثر فقوله عليه السلام: فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفادي وإما أن يقتل.