ظن قوم أن الإجماع نسخ في نفسه وينسخ به, ولا يتصور ذلك فيه لأنه لا دليل يستقر بعد الوحي. فإن قيل: فإذا أجمعت الأمة على قول من قولين تقدما في القرن السابق؟ قلنا: لا يكون نسخا لأن من يقول بأن الخلافلا يرتفع به قد بان ذلك فيه, ومن قال يرتفع الخلاف لم يكن هذا من باب النسخ, فإن الاجتهاد كان سابقا وتردد النظر على قولين ثم انحذف أحد الاجتهادين وبقي الثاني. ولو كان صحيحا لكان القياس نسخا عند النظر به أو فيه, ولا يصح ذلك لجواز الرجوع في كل حال عنه وإنما هي فسحة أذن الشرع فيها ورحمة خص هذه الأمة بها, وضوعف (الأجر) لها عليها.
المغالطة الخامسة:
ظن قوم أن النسخ في جميع القرآن ([طمس]) وهو باطل والذي أوقعهم فيه قوله تعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك). وهذه الآية من المشكلات وقد استوفينا النظر فيها في كتابها ولبابه أن المعلومات على أقسام فيما يتعلق بغرضنا هذا:
منها المحال كاجتماع الضدين.
ومنها خلاف المعلوم الذي وقع الإخبار بعلم الباري فيه وعنه.
ومنها الجائز المطلق الذي لم يتعلق علم عندنا في علمنا به.
فأما المطلق إذا علقت به الإرادة فقال ربنا: لو شئت لكان كذا, فهذا مطلق وإرادة مطلق ومعنى موضح لا إشكال فيه. وإذا علق الإرادة سبحانه بالمحال المعلوم الذي أخبر به, فذلك المشكل الذي يفسره التأويل كقوله تعالى:{لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه} فهذا إن حمل اللفظ فيه على الولد حقيقة كان تقديره: لو أراد الله أن يتخذ ولدا حقيقة لاتخذه.