معارضة ها هنا لأن قوله:{كتب عليكم القتال} نزل مجملا أو عامًا كقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} قول مجمل أو عام فإن كان مجملا فقد فسره النبي بقوله (وإن كان عاما) فقد خصه أيضا بكلامه، وبما في القرآن من أوصافه فلا سبيل إلى الحكم بالنسخ، وأما من قال إنها فرض على الصحابة خاصة فهو قول باطل لأن كل خطاب في كتاب الله أو سنة رسوله للناس هو مسترسل على الصحابة وعلى باقي الأمة إلى يوم القيامة لا يقال في خطاب إنه مقصور على الصحابة دون غيرهم فذلك تحكم لا دليل عليه ولا معنى له. فبهذا القانون تجري كل مسألة إلى بابها وتستقر كل قاعدة من الشرع (في موضعها) ونصابها والله أعلم. وأما من قال إنها محمولة على الندب فساقط، فإن الجهاد فرض بإجماع الأمة لكن فريضته (تتنوع تارة) على الأعيان بنزول العدو على موضع أو تضييقه على أرض فلزم جميع الخلق النفير إليه والنصر وتارة على الكفاية. وأما اليوم فهو على الأعيان لأن العدو في كل قطر قد استولى على بلاد الإسلام واستفاء أموال أهلها فيتعين دفعه عما بقي واستخراج بما استطال عليه من يده، ولكن ذنوب الخلق غلبت عليهم فتقاعدت بهم حتى. تكون الغلبة للكفار بوعيد الله تعالى النافذ في الناس حتى لا يبقى في الأرض من يقول الله بالرفع وبغلبة الباطل حتى لا يبقى من يقول الله بالنصب. ونسأل الله الهداية فالآية على الخصوص إذ يستحيل وقوعها على العموم والحمد لله رب العالمين.
تم الجزء الأول من القسم الثاني في معرفة الناسخ والمنسوخ ويتلوه في الجزء الثاني الآية الثانية والعشرون.