قال القاضي محمد بن العربي: أصل هذا القول في الآية أن قول الله تعالى في هذه الآية تضمن أربعة أحكام: رضاع الوالدة مدتة للمولود، والنفقة والكسوة ونفي المضارة ثم قال:{وعلى الوارث مثل ذلك} فقال قوم: يرجع قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} إلى جميع ما تقدم، وقال قوم: يرجع إلى نفي المضارة خاصة ولو كان قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} نصا لكان لنا أن نبديء القول في ذلك ونعيده ولكنه محتمل أن قوله ذلك يحتمل أن يرجع إلى الجميع ويحتمل أن يرجع إلى بعضه وإن كان الظاهر أن يرجع إلى الجميع ولكن نتبع الأدلة فنسير حيث سارت وتقف حيث وقفت.
وقد اختلف العلماء في جريان النفقة بين ذوي القرابات اختلافا كثيرا واضطربت الآراء المالكية فيه بأنواع، وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف، وسنشير إليه في القسم الثالث من الأحكام، وحققنا في موضعه أن الدليل يقتضي وجوب النفقة على الأب دون غيره فبقي الحكم دائرا على نفي المضارة وهو الحكم العام الثابت بين القرابات بل بين جميع المسلمين والمسلمات وهذا كاف في هذا الموضوع.
فأما قول مالك إنه منسوخ فهو تسامح في تسمية المخصوص منسوخا لأن التخصيص نسخ لغة ولكنه ليس به عرفا، فأجراه مالك على الأصل في الاقتضاء اللغوي، وقد قيل إنه أراد بذلك أصلا آخر من أصول النفقة وهو أن الحكم في صدر الإسلام كان بوجوب النفقة والسكنى للمتوفي عنها زوجها حولا ثم نسخ على ما يأتي بيانه بعد إن شاء الله، فإذا ارتفع ذلك عن الأصل فارتفاعه عن الوارث