ومما لا شك فيه أن أساتذتنا الأفاضل، وزملاءنا الأكرمين الذين يدورون في هذا الفلك إنما ينتمون جميعاً إلى الجيل العظيم: جيل المتون والحواشي، نعم كلهم من جيل الحفظة ... حفظة القرآن الكريم والمتون والمنظومات، وهذا شيء أعرفه تماماً، وبخاصة عند أبناء كليتي: دار العلوم، من الجيل الذي سبقني والذي زاملني والذي جاء بعدي بقليل، فهؤلاء جميعاً قد تعلموا النحو من خلال الكتاب القديم، على هذا السياق، وبذلك الترتيب: التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية - تنقيح الأزهرية للشيخ خالد الأزهري - قطر الندى وبلّ الصدى - شذور الذهب في معرفة كلام العرب، كلاهما لابن هشام - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - أوضح المسالك على ألفية ابن مالك لابن هشام - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك مع حاشية الصبان عليه.
وبهذه المسيرة الأصيلة الضخمة استطاع أستاتذتنا وزملاؤنا أن يفقهوا النحو ويبرعوا فيه ثم يكتبوا مذكراتهم ومختصراتهم. وأيضاً نقدهم للفكر النحوي. ولو أنهم تربوا من أول أمرهم على المذكرات وتعلموا من المختصرات لما فقهوا ولما برعوا، ولما كتبوا «نحوهم الكافي والشافي والصافي والوافي».
ثم إن الخطر كل الخطر: أن يصدر التشكيك في النحو ومصطلحاته من أساتذة كبار لهم في النفوس مكان ومكانة، ولكلامهم في القلوب وقع وتأثير. ومن ذلك ما وقع في يدي ذات يوم، من كلمة للأستاذ الكبير الدكتور نجيب محمود - متعه الله بالصحة والعافية - بجريدة الأهرام بتاريخ ١/ ١٢/ ١٩٨٨ بعنوان:«العربي بين حاضره وماضيه»، ضمن سلسلة مقالاته التي اختار لها عنوان:«عربي بين ثقافتين»، وقد أدار كلمته هذه حول تقييم الموروث الذي انتهى إلينا من ماضينا، وأنه ينبغي علينا أن ننتقي ونختار، وأن ننظر إلى «نوع الحصيلة التي اخترناها لتكون هي ماضينا المبثوث فينا، وذلك لأننا قد نسيء الاختيار - وكثيراً جدّاً ما نفعل - فنبث عوامل الضعف والشلل من حيث أردنا القوة وانطلاقه الحياة».
ثم دلل على سوء الاختيار هذا بنموذج من تجربته الشخصية مع مدرس اللغة