للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرأي المدخول ... لا يعني بهذا التعريض وبهذه الصفة أحداً سوى قاضي القضاة المعتزلي عبد الجبار". وبعد ذلك نقل أبو فهر عبارة القاضي عبد الجبار، من كتابه "المغني وهي: "أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر بالضم على طريقة مخصوصة".

أرأيت أيها القارئ الكريم؟ هذه ثلاثون عاماً تصرَّمت من الزمان، والقضية في بال الرجل، كأنها هَمُّ الليل والنهار، قضية حية في عقله، جارية في دمه، لم تسقط بالتقادم، ولم تنسحب عليها ذيول النسيان! ومثل هذه القضية كثير في كل ما كتب أبو فهر في اللغة والشعر، وسائر علوم الأمة، ولا نفيض في هذا لأن القصد الآن الكشف عن منهج الشيخ في تحقيق التراث، وهو منهج صعب شاق، لأنه مباين لكل ما ألفه الناس الذين اشتغلوا بنشر الكتب من عرب وعجم، إذ كان قائماً على الجد والصرامة والإِتقان، مستنداً إلى قراءة واسعة محيطة، مع الذكاء الشديد اللمح، والحفظ الجامع الذي لا يتفلَّت ولا يخون.

[الشيخ واللغة]

وأول ما يلقانا من منهج أبي فهر: اللغة، حروفاً وأبنية وتراكيب، فقد استولى من ذلك كله على الأمد. واللغة هي الباب الأول في ثقافات الأمم، وإهمالها أو التفريط فيها، أو السخرية منها، هدم لتاريخ الأمم، ومحو لها من الوجود. وعناية أبي فهر باللغة قديمة، ومن أقدم ما كتب فيها ما نشره بالمقتطف عام ١٩٤٠، بعنوان (علم معاني أسرار الحروف - سر من أسرار العربية)، وفي الفترة القليلة التي شارك فيها في إخراج مجلة "المختار" استطاع أن يقدم مستوى عالياً للترجمة الصحفية لم يُعرف من قبل؛ وأدخل جملة من المصطلحات الجديدة في اللغة للتعبير عن وسائل واختراعات حديثة من نوع "الطائرات النفاثة"، وما زال الجيل الذي عاصر "المختار" من الصحفيين المعاصرين يعتبرون عناوين "المختار" التي كان يصوغها نموذجاً يحتذى. وطالما ذكر صديق عمره يحيى حقي، رحمه الله، فضله عليه في التنبه لأسرار اللغة وفنية استخدامها والتعامل معها.

<<  <  ج: ص:  >  >>