للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غيرته على العربية]

والغاية الثانية غاية دينية، يقول: «إنني لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية».

وتأتي الغاية الثالثة، ويمكن أن نسميها غاية قومية وطنية، باعثها الغيرة على العربية والعصبية لها، بعد أن اطرح الناس الحديث بالعربية، وهجروها إلى اللغة الأعجمية وهي التركية في ذلك الزمان - يقول ابن منظور: «وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام بعد لحناً مردوداً، وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً، وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفُلك وقومه منه يسخرون».

هذا ما قاله ابن منظور منذ سبعمائة عام عن حال اللغة العربية بإزاء اللغة الأجنبية، فماذا نحن قائلون الآن؟

ويصرّح ابن منظور في مقدمته بأن عمله في معجمه لم يخرج عن حدود ما في مراجعه الخمسة، فيقول: «وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمُتّ بها ولا وسيلة أمسك بسببها سوى سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم ... فمن وقف فيه على صواب أو زلل أو صحة أو خلل فعهده على المصنف الأول، وحمده وذمه لأصله الذي عليه المعول؛ لأنني نقلت من كل أصل مضمونه، ولم أبدّل منه شيئاً فيقال: «فإنما إثمه على الذين يبدلونه».

وقد أغرى هذا الكلام كثيراً من الباحثين، وثبت لديهم أن ليس لابن منظور في «اللسان» إلا الجمع والترتيب. والحقيقة أن هذا الكلام جرى على لسان ابن منظور على سبيل التواضع وهضم النفس، وهو نمط من الكلام معهود عند كثير من أهل العلم فينا الذين لا يذهبون عن أنفسهم، ولا يتعلقون بالباطل فيضعون أنفسهم فوق هامات السابقين، وإنما يظهر الكِبرَ ويفشوا العُجْب بالنفس عندما تضعف العزائم وتصغر النفوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>